عازفة الجيتار







الأديب/ محمود زيدان حافظ/ يكتب

 قصة

عازفة الجيتار

تأليف

محمود زيدان حافظ

مشهد ضبابي لشخص جالس وحيدًا يحتسي قهوته تقترب منه في هدوء لتمسك يده وتأخذه معها ليجلسا سويًا وسط ورود لتمسك بجيتار وتبدأ العزف عليه ويهيم طربًا بما يسمع.

يستيقظ من نومه مبتسمًا متذكرًا الحلم وحبيبته ويمسك الجيتار يعزف ذات المقطوعة التي سمعها منها ويكتب بها نوتة موسيقية ويحفظ اللحن جيدًا؛ يرتدي ملابسه ويأخذ الجيتار ويذهب للمطعم الشهير الذي يعمل به كعازف وفي المساء يتذكر المعزوفة الجديدة فيستعد ليعزفها منفردا.

الصمت يسود المطعم والجميع في حالة من التركيز الشديد الجميع يستمع للعزف وكأن على رؤوسهم الطير وينتهي العزف ويصفق الجميع للعازف ومقطوعته المتفردة؛ ينهض من مكانه شخص أنيق ويقترب من العازف.

الشخص.. تهنئتي الحارة فقد أبدعت ولا أخفي عليك سرًا فمن النادر أن تجذبني مقطوعة موسيقية. أنا هادي فريد

العازف.. وهل يخفي القمر غني عن التعريف مستر هادي. وأنا أتشرف بأن أكون تلميذك عمر مراد

هادي.. عفوًا فأنت مبهر. هل هذه المقطوعة من تأليفك؟ 

عمر.. أخشي أن أقول نعم. ولكنها ملك لي

هادي.. أرجو التوضيح.

عمر.. لقد حلمت بها. 

هادي.. لا. الكلام هنا لن يجدي؛ هذه بطاقة بها عنوان مكتبي وأرقام هاتفي سأنتظرك غدًا في تمام الخامسة مساء

عمر.. جزيل الشكر والتقدير هذا شرف لي

يجلس عمر أمام حبيبته في أحدي المراكب النيلية وتظهر عليه ملامح السعادة وهو يصف لها مدي انبهار رواد المطعم بمقطوعتها الموسيقية الفريدة 

عمر.. كم أنتِ مبهرة بألحانك المتميزة؛ ليتني أظل بجوارك علياء

علياء.. تجهز وأستمع جيدا وأحفظ هذا اللحن 

تمسك بالجيتار وتبدأ بالعزف ويكاد يبكي من جمال ما يسمع رغم الحزن الشديد . 

مكتب أنيق جدا هادئ وأضاءته خافته يجلس هادي وأمامه عمر يرتشفان من قهوتهم ويتحدثان سويا؛ ينهض عمر ممسكًا الجيتار ويبدأ بالعزف ينبهر هادي ويقرر شراء الحان عمر بل أنه أتفق معه على أن يضع كلمات مناسبة تليق بالموسيقي ويعرضها على كبار المغنين. 

عمر.. جزيل الشكر أستاذي. لكن يكتب عليها لحن / علياء عزف / عمر أنا فقط مؤدي

هادي.. فين علياء توقع العقد معانا

عمر.. هي عمله لي تنازل عن كافة أعمالها وأقدر أتصرف لوحدي

هادي.. هايل جدا. وأدي العقد وده جزء من المبلغ

يتم توقيع العقود ويبدأ عمر في الانتشار وأصبحت موسيقي عمر لها جمهور كبير جدا وأصبح من أشهر عازفي الجيتار وحفلاته دائمًا مكتظة بالجماهير الغفيرة.

في منزله القديم والذي يرفض تمامًا أن ينتقل منه يجلس عمر وحيدًا ممسكًا بمجموعة من النوت الموسيقية يقلب فيهم ليخرج منهم نوتة كتب عليها العلياء ويبدأ في عزفها ويكررها؛ يذهب لغرفة النوم ليجد علياء تنتظره وتستمع لموسيقي العلياء وتراقص عمر عليها ثم يجلسان سويا لتمسك بيده والجيتار لتضبط له العزف في مقطوعة العلياء

مذيعة.. أعزاءي المشاهدين معنا ومعكم المبهر دائمًا صاحب أروع الألحان العازف / عمر مراد. في البداية نحب نتعرف على عمر 

عمر.. عمر من مواليد القاهرة وذات أصول صعيدية عندي ٣٣ سنة أعزب 

المذيعة.. أعزب حتي الأن

عمر.. نعم

المذيعة.. ستنهال عليك طلبات الزواج بعد هذا اللقاء (يضحكان) 

عمر.. ومن تستطيع تحمل ظروفي وطباعي. وكمان أنا تعودت على الوحدة فليس لي أخوة ووالدي ووالدتي توفيان منذ زمن بعيد فأصبحت وحيدا 

المذيعة.. كثيرين من يتسألون عن علياء التي يوضع اسمها دائمًا قبل أسمك 

عمر.. هي المتفردة وهي من تصنع تلك الموسيقي وأنا فقط أعزفها

المذيعة.. الا تخشي أن تفقد جمهورك بعد هذا التصريح

عمر.. أن كان من أحبهم قبل أن يحبوني يريدون مني أن أكون قليل الأصل ناكر للجميل فلن أستطيع أن أعطيهم ذلك هذا حقها أن تعرفونها ولو أسمًا

ينتهي اللقاء ويعود لمنزله ليجد علياء تبكي 

علياء.. من أنا في حياتك أن كنت أنت أعزب 

عمر.. ضاحكًا. أنتِ نور يبدد ظلامي 

يقترب منها ويقبل رأسها ويدها فتبتسم له ثم يغض في نومًا عميق. 

في مدرسة ابتدائية خاصة تجري علياء بسرعة كبيرة ويجري خلفها عمر للذهاب لغرفة الموسيقي وتفرح مدرستهم بحضورهم ومحبتهم للموسيقي وتبدأ الحصة وتغني علياء ويعزف هو خلفها ثم يتبادلان الأدوار فيغني وهي تعزف وتصاب مدرستهم بالحيرة الشديدة فكلاهما يغني باقتدار وكلاهما يعزف بمهارة فائقة والحفل السنوي قد أقترب فمن سيغني ومن سيعزف حتي تقترح عليهم اقتراح من سيستطيع أن يكمل أغنية من تأليفه كلامًا ولحنًا سيكون هو نجم الحفل.

وفي صباح اليوم التالي يذهبان لغرفة الموسيقي وكل منهم يقف ممسكًا بجيتار وتبدأ علياء بالعزف والغناء يقوم عمر ليصفق لها على روعة أغنيتها وأدائها المبهر وكذلك أستاذتها. 

يبدأ عمر وينبهرا به 

علياء.. هذه حفلتك فأنت تستحقها 

عمر.. بل أنتِ الأحق 

المدرسة.. بل كلاكما يستحق 

يؤذن لصلاة الظهر فيتركا كل شيء ويذهبا للصلاة. وتذهب مدرستهم لتعرض الأمر على مدير المدرسة ويحضر بشخصه ليستمع لهم وينبهر بهم ويقترح أن تكون الأغنية مشتركة بينهم وبالفعل يبدأن العمل عليها. 

في استديو تسجيل يسجل عمر معزوفته الجديدة العلياء وينتهي من التسجيل ليذهب لمكتب هادي 

هادي.. أبهرتنا كعادتك بل أنها من اروع أعمالك 

عمر.. أسعدني بكلماتك الرقيقة

هادي.. رغم فرحي الشديد الا أنني في قمة الحزن فهذا أخر عمل فني بيننا طبقا للعقد وأنت الأن أصبحت نجم تتهافت عليك شركات الإنتاج ويقدمون لك عروض خيالية لا يمكن رفضها 

عمر.. نعم أنتهي العقد. ولا أخفي عليك سرًا فعندي عروض لا يمكن رفضها 

هادي.. أتمني لك التوفيق دائمًا 

عمر.. ولو بدون عقد بيننا لا يمكن أن أنسي من كان له الفضل فيما وصلت له وهيا لنستعد للعمل القادم

ينهض هادي ليحتضن عمر رغم فارق الطول الواضح بينهم فعمر يمتاز بالطول وجسده الرياضي المتناسق جدا بعكس هادي ذلك القصير البدين. 

تبدأ حفلة المدرسة ويتوافد الحضور تباعًا وعمر يترقب لحظة وصول والديه تستمر فقرات الحفل وفي الختام يقف عمر في يسار المسرح وتقف علياء في اليمين ويعزفا سويًا وهم يتحركان لبعضهما البعض ويلتقيا في المنتصف فيبدأ الغناء سويًا وينتهيا من الغناء ليقف الحضور جميعًا مصفقين منبهرين مما سمعوا ويقترب عم عمر منه ليصحبه معه. 

أمام غرفة العمليات يقف عمر وعمه والوقت يمر وعمر يتضرع بالدعاء فوالده ووالدته أصيبا في حادث مروع وهم في الطريق للحفل يخرج الطبيب مضطربا 

العم.. طمني يا دكتور

الطبيب.. البقاء لله

العم.. من فيهم 

الطبيب.. للأسف الأثنين 

يسقط عمر باكيا ويحتضنه عمه وتتم مراسم الدفن والعزاء ويعود للمدرسة من جديد ولكنه عاد منطفأ ليس كما كان من قبل ويتبارى أساتذته في التخفيف عنه وتحصيل ما فاته من دروس، وينتقل عمه ليعيش معه في شقه والديه ويبيع شقته ويضع مبلغها بالكامل كوديعة باسم عمر في أحدى البنوك. 

المجلات الفنية تنشر صور عمر وخبر تركه لشركة الإنتاج الفني ليذهب عمر سريعًا لهادي ويوقع له عقد على بياض ويتصورا سويا ليكون أبلغ رد على ما جاء بالمجلات. 

يجلس وحده على ضفاف النيل يشرب قهوته ويتذكر ما مر به من العمر حتي الأن وكيف ضحي عمه بكل شيء ليظل بجواره فلم يتزوج حتي لا تأتي سيدة غريبة ولا تكون رحيمة به. ويشرد متذكرًا كيف كان في سنوات الإعدادية متفوق دراسيًا وشغوف فنيًا ويتذكر علياء تلك الفتاة التي حركت مشاعرة واحتلت فؤاده منذ الصغر. 

حتي قبل انتهاء دراسته الثانوية يتوفى عمه ويحزن عليه حزن شديد ويرث من عمه الكثير؛ لتضرب علياء المثل في الحب والإخلاص فتذهب كل عطلة دراسية لمنزل عمر وينزل هو ليتجول بالشوارع حتي تنتهي من تنظيف المنزل وتحضير الطعام وغسل ملابسه فيعود ليجد مفتاح الشقة بجوار الباب؛ وفي منزلها تتعرض للتعنيف من والديها على ما تفعله ورغم ذلك تصر بالا تتوقف عن ما تفعله. 

ينزل والدها خلفها ويراقبها من بعيد ليراها وهي تدخل منزل عمر ويراه وهو يذهب للمسجد ليحضر صلاة الجمعة فيدخل ليصلي بجواره ويفرغا من الصلاة ليعودا سويا للمنزل وعلياء تزعق من المطبخ 

علياء.. أنزل تاني وأبقي أرجع كمان ساعة

عمر.. مش هاينفع أنزل معايا ضيف 

علياء.. نهارك أسود ضيف من؟ 

تخرج من المطبخ تحمل بيدها سكين لتجد والدها أمامها فيضحك الجميع ويشكرهم الأب أنهم يراعوا حدود الله في علاقتهم ويؤكد عليهم أنه سيكون معهم باستمرار وقت حضورها فيحتضناه سويا ويقبلا رأسه . 

على المسرح يعزف عمر مقطوعة وكأنها تعزف في أحدي القصص الخيالية ويتحرك أثناء العزف ليذهب للجمهور ويقف بينهم عازفًا والجميع في حالة من الشجن؛ وما أن ينتهي من العزف حتي يحمله الجمهور حبًا وتزداد شعبيته وتتعدي حدود بلده ليصبح حديث كثير من الدول ويطلب منه عرض فنه في تلك الدول وكان يترك ذلك الأمر لهادي يدرس العروض ويختار أفضلها. 

وانتهت بهم الثانوية العامة ليلتحقا سويا بكلية التربية الموسيقية ويتبارى المحبين في التميز والإبهار فهم أوائل الدفعة منذ الترم الأول لهم ونالا أستحسان دكاترة الكلية وبدأ سويا طريق الشهرة واختارت هي أن تتعين معيدة بالكلية وأختار هو أن يخرج للعالم بفنه؛ ودائمًا كان يعلم أنها أكثر منه أستلهما للموسيقي فهي مبدعة بحق فحين كان هو يستجدي الفرص للوصول لحلمه كانت هي تصنع موسيقي خاصة بها واستطاعت في فترة وجيزة جدا أن تكتب مئات من النوت الموسيقية المبهرة. 

في فرنسا يبدأ بالعزف في حفل مفتوح ليسحر الألباب فلغة الموسيقي لا تحتاج لترجمة وينجح الحفل نجاح ساحق فأصبح له أسم عالمي منذ ذلك الحفل وتعدت جوالته الأوربية وفي فندق من أفخم فنادق المانيا يدخل هادي لجناح عمر. 

هادي.. يا نجم 

عمر.. أستاذنا 

هادي.. حققنا أحلامنا وأن الأون بقي نبص لنفسنا شوية 

عمر.. أقفل الكلام في الموضوع قبل ما تفتحه 

هادي.. يا عمر ما ينفعش تفضل وحيد كدة

عمر.. هادي. أنا متزوج وراضي بعيشتي جدا والكلام خلص لحد هنا. 

يخرج هادي ويسرح هو في الوقت الذي تقدم فيه لطلب يد علياء من والدها وفي ذلك الحفل الأسطوري بالنسبة لهم الذي أقيم في خطوبتهم وكتب الكتاب؛ ويتذكر كل قطعة من قطع الأثاث التي أحضروها سويا وذلك الركن الذي صنعاه سويًا وأسمياه (بيت الأبداع) أنهما الأن فرغا من تأثيث شقة الزوجية ويبحثان عن قاعة ليقيما حفل الزفاف ويتحدد موعد الزفاف ويبدأ في الترتيبات والدعوات. 

يفيق من شروده ويتصل بهادي ليحضر له ويطلب منه أن يتصل بمساعديه في مصر ليجهزوا له أسماء دور رعاية الأيتام وعناوينهم فقد قرر التبرع بكامل أمواله لهم ليصدم هادي مما سمع ويحاول جاهدًا أن يقنعه بالإبقاء ولو بجزء من الأموال لعله يحتاجها ولكنه يرفض ذلك. وتنتهي جولته الفنية ويعود لمصر ويتجه لتنفيذ ما أراد ويعود لشقته ويختلي بنفسه في بيت الأبداع ليعزف مقطوعة جديدة تتراقص أمامه على نغماتها علياء. 

فتسيل دموعه حزنًا حين تذكر مكالمة والدها له قبل الفرح بساعات قليلة ليخبره بأن علياء ماتت وكيف قطع الطريق جريًا لمنزلها ليتأكد مما سمع وينهار على باب شقتها فقد مات الحلم ماتت الحياة ماتت أخر من كان يصارع الدنيا من أجلها. ويعود ليفتح نوتة موسيقية ويكتب لحنه الجديد ويسميه لحن الوفاء وتظهر له من جديد علياء لتدعوه لصحبتها فيستجيب ويترك الجيتار ويغمض عينيه في هدوء ليرحل تاركًا الدنيا ليلتقي بأحبته من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع