غادة
قصة ~ غادة
الكاتب ~ رعد الإمارة ~ يكتب..
~~~~~~~~~~~~~~
من كتابي القادم (رجل ونساء)
القصة الوحيدة التي أبكت رعد الإمارة ( غادة )
على فكرة، أسمها غادة، البنت ذات الغمازات، الحلوة حد الدهشة، لقاؤنا الأول لم يشهده القمر بقدر ما شهده المطر! ، كانت تمطر بشدة حين التقينا، هرولنا عوضاً على أن نتصافح، لذنا تحت شجرة قَيقبْ هرمة، قالت وهي تلهث :
_مرحبا، أنا غادة. كانت تجفّف شعرها بأصابعها مع نصف انحناءة عذبة، قلت وأنا أكاد اشهق من طريقة نطقها للأسم، الذي أخذ ينبض الآن عوضاً عن قلبي :
_غااا. غادة، سررت بكِ. جَمدتْ اصابعها الفاتنة الطويلة عند مفرق شعرها، ضَحكتْ بخفوت وهي ترمقني، ثم ضيّقتْ مابين حاجبيها :
_غادة قلت، وليس غا..غادة. يا إلهي، توقف الزمن، أسمها الوحيد ظلَّ حاضراً وبقوة، حين سرنا معاً، تركنا الأمر للصدفة، لم نخطّط لهذا، لكنها تعانقتْ وتشابكتْ، أعني أصابعنا، الملمس، ياربي، ماعساني أقول، دفء حميم وطراوة عجيبة، كادت تنزلق أصابعها هذه، لكني تشبثتُ بها كما يفعل الغريق بقشته المعهودة. غادة، يصل أسمها عند سقف الحلق فتتوهج ملامح وجهي ، أوقفتها في منتصف العشب الندي تماماً، كانت السماء قد فرّقت الغيوم حينها وسمحتْ للشمس بممارسة وظيفتها كشمس طبعاً، صدقاً أنا مرتبك، في منتصف العشب هذا قلت :
_اسمك غادة اذاً، حلو هذا. كلمات خرقاء لكنها أوصلتْ ما أريد، أعني تجربة اطلاق الأسم من فمي بسرعة كالرصاصة، البنت غادة سَحبتْ كفّها الطري جداً، والدافئ حد العذوبة، قالت :
_امممممم، غادة، التي تقف أمامك أسمها غادة. أوه ، ضربتْ بقدمها الأرض مع هزّة لطيفة من رأسها شبه المبلّل، هي فعلتْ ذلك مرة واحدة، لكن ما فعلته اخترق قلبي، لقد أزاح سيداتي وسادتي أسمها كل الأسماء، نعم الجميع بلا استثناء، ظلَّ فقط أسم أمي يناضل وبقوّة. كنا نقضي أغلب أوقاتنا في التجوال هنا وهناك ، هي فقط تبدو متبرمة حين يتسخ حذاؤها ! طيب ماذا أفعل للغبار والاتربة؟ هل أدخل في معركة كما فعل العزيز دون كيشوت مع طواحين الهواء ؟ كانت تطلب مني احياناً التوقف، نلوذ في إحدى الزوايا، تنظر يميناً وشمالاَ ثم تنحني برفق، تزيل بمنديل ورقي ماعلق في حذاؤها من أتربة ، بعدها تعتدل في وقفتها، تتنهد وتنظر بأعجاب للأسفل ، ثم تلقي نظرة صوبي، تستقر عيناها عند قدمي، تهزُّ رأسها الفاتن وتطلب بأشارة من سبابتها الحلوة أن أفعل بالمثل، أطيعها بسرعة، كيف لا، وتلك التي تطلب هي غادة!. أخبرتكم، كانت تحب المشي ، بالضد مني تماماً، فأنا مثلاً افضلُّ الأسترخاء على مقعد بجانب النهر، اتابع رحلة عيدان القش الطافية على وجه الماء، أو القي ببعض فتات الخبز للأسماك التي بطول الخنصر، البنت غادة تعبثُ قليلاً في هاتفها الجوال، لا تلبث أن تغلقه ثم تأخذ بالطرق على حافة الطاولة، تتابع نظراتي المعلقة وحاجبي المنعقدان ، لكن صبرها لايلبث أن ينفد، تتنحنح بلطف وتطلب مني النهوض وهي تشير صوب واحد من أقفاص الطيور الكبيرة:
_دعنا نلقي نظرة على سرب البجع، أنظر كم يبدون لطفاء وهم يتحركون بكبرياء، هيا يا كسول. الوقت معها يمرُّ بسرعة البرق، هذه البنت تضحكني، لا أتذكر أني ضحكتُ من كل قلبي كما فعلتُ معها، حتى أن الدموع كانت في أحيان كثيرة تتطافر مثل حبّات المطر على خدودي، كانت بارعة في تقليد أصوات وحركات الآخرين، في واحدة من المرات التفتُ للخلف وجدتها تحاكي طريقتي في السير ، أذكر أن ملامح وجهي احمرّتْ حينها ، بنت شقية، تقدمتُ صوبها، لم اغضب، لكني ضغطتُ بقوة على أصابعها، هي لم تتأوه، فقط رمقتني بنظرة جانبية لعينة جعلتني اتنهد مرة ومرتان. قالت وهي تواصل إلقاء حبّات الفستق للقرود الصغيرة بعد أن ودّعنا سرب البجع المغرور :
_واحد من هذه القرود فيه شيء من ملامحك، تباً، أنها تتحرك بسرعة، لقد أضعته. تَجمّدتْ يدي في الهواء،لم أعد اشاركها إلقاء حبّات الفستق، قلت وأنا أتعمّدُ صدم كتفي بكتفها :
_يابنتْ، سألقي بكِ في قفص النمر ذاك، أنه غاضب - لوحتُ بسبابتي - هل ترينه؟. لم أمهلها لحظة، استدارتْ صوب القفص، وجدتُ صفحة خدها بلا رقابة ، لم أهتم بمن قد يرانا، قبلتها خطفا ثم هرولتُ بأسرع من البرق، لم التفت، وجدتُ نفسي الهث وأنا أقبضُ بقوّة على حافة المقعد بجانب النهر الصغير. كانت تسير بجانبي حين غادرنا المنتزه، الصمت القى بعباءته عليها، لم تنبس بحرف، لكنها مابين حين وآخر كانت ترميني بنظرة جانبية من عينيها السوداوين. مضت أيام ثلاثة منذ التقينا، كنت أعيش أكبر مرحلة ارتباك في حياتي، لو لم أقبلها لسمعت صوتها ولأصبح الأتصال بها هينا! ياإلهي، حتماً هي مستاءة ، وقد تكون غاضبة، لا أعرف كيف انقضى اليوم، لكنها في المساء حضرتْ بكامل هيئتها العذبة، البنت في الحلم لم تتغير كثيراً، لكن شعرها بدا طويلاً هذه المرة، ثم إنها لم تشاكسني في الحلم ، بدت خجولة، أيكون هذا بسبب القبلة الخاطفة!. أيقظني رنين الهاتف الجوال، بالكاد فتحت عيني، كاد لساني يلعن المتصل، لكن كيف، أنها هي من يتصل، قلبي كاد يخرج من ظلوعي ، نبضات قوية أشبه بضربات طبل في غابة ، قالت :
_مازلت نائماً أيها الكسول، لمَ لمْ تتصل؟ أجب، هل أكلتْ القطة لسانك؟ السماء ملبدة بالغيوم، أنه وقت التجوال، ارتدْ ثيابك بسرعة، هيا . أنهت مكالمتها، أخذتُ أحدّق في شاشة الهاتف المضيئة بذهول، ابتلعتُ ريقي وهمست لنفسي :
_كأني وقعت في غرام إعصار.(يتبع للجزء الأخير)
بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد
تعليقات
إرسال تعليق