القبعة



 قصة ~ القبعة

الكاتبة ~ اسمهان كلاع ~ تكتب..

~~~~~~~~~~~~

القبعة


  كان يعبرُ الشّارع في ليلة مقمرة متأبّطا جريدة قد مسحها بنظره الثّاقب بحثا عن عمل، القمار نهش ماله.. و الدّيون تراكمت على كاهله جبالا عظيمة لا سداد لها!

  لمح قامة شيخ هرم تتهاوى هناك في الزّاوية، أدركه بعد خطوتين سريعتين فسنده، و عبثا حاول أن يستفهم منه سبب وعكته، ربّما العمر المستهلَك.. أو تُراها ديون تراكمت على كاهله هو الآخر حتى خرّ ضعيفا!

  لم يقل الرجل سوى بضع كلمات " خذني لبيتي و لك مني صنيع يبهجك"، تهلّلت أساريره، ربما كان هذا الشّيخ ثريّا و لا يضيره أن يتنازل لغريب عن ملعقة صغيرة من كومة ثروته!

  عند بيت الشيخ الفخم انتزع هذا الأخير قبعته و وضعها على رأسه دون كلمة واحدة قبل أن يدلف إلى الدّاخل! و غادر الآخر خائب الرّجاء مهموما.. تملأ يديه الأصفار، عاد إلى الشوارع الباردة المقفرة لتتقاذفه من جديد.

  التقط نظره المشوّشُ سيارة سوداء قادمة نحوه، توقّفت عند قدميه.. و امتدّت أياد قاتمة غامضة سحبته كاتمة صوته إلى الدّاخل! بعد صراع طويل منهك مع أجساد قويّة و أصوات خشنة.. نُزعت العصابة عن عينيه، آلمت الأضواء المستفزّة نظره، حوله أصحابه المقامرون يتهامسون و يقهقهون بتهكّم، أحدهم قال و هو يضرب على كتفه كأنهم في حلبة مصارعة "هيا يا رجل.. إلى طاولة اللّعب.. لا تكن جبانا!".

  ما العمل؟ سيقامر مرّة ٱخرى.. و سيخسر ليعمِّق الفجوة بينه و بين النّجاح أكثر، انطلقت الجولة.. ألقى آخر ورقة.. و لدهشته كان الكاسب، و توالت الجولات.. و تتالت مكاسبه، صاح أحدهم مغتاظا "ما أعجب هذا! كنت بالأمس مثالا للمقامر الفاشل.. و اليوم ترجعنا جميعنا إلى بيوتنا بجيوب خاوية! ما سرُّكَ يا رجل؟".

  ما سرُّه؟ هو نفسه لا يدري! ترك مجمعهم منبهرا من انقلاب وضعه بين ليلة و ضحاها، مرّ على نفس الشّارع الذي ألفى فيه الشّيخ، شهق حين تذكّر القبعة! صاح متلعثما "لا بدّ أنها تجلب الحظّ!" و دون وعي منه وجد ساقيه تحثّان الخطى نحو بيته، لا نور في نوافذه، لا أحد يستجيب لدقّات الجرس، خاطبه صوت أجشّ من الخلف "أيّها الغريب! لمَ تصرُّ على طرق باب بيت مهجور؟"، اصفرّ وجهه و شحب و بالكاد تمكّن من القول "شيخ.. هناك شيخ يقطن هنا"، فما كان من الآخر إلا أن قهقه كالمجنون ثم عقّب قائلا قبل أن يغادر "تقصد ذلك السّاحر! لقد مات منذ سنوات!"


اسمهان كلاع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع