المسؤول



 ق.ق ~ المسؤول

الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي~ يكتب...

««««««««««««««««««««

        "  المسؤول "


اقترضت بضمان منزل صغير مساحته صنعت غرفة وصالة ومنافع .. كان المنزل حلم زوجها حتى تحقق ، وكانت

هي شريكة كفاحه وأحلامه .

منذ رحل وهي تعيش مع وحيدها بدورين .. صرامة الأب ودفء الأم .

مراهق في سن أربعة عشرة، ذاب جلد نعل حذائه من كثرة السير حتى أصبح جلد قدمه يئن من حرارة الأسفلت وقت الظهيرة .. يستند إلى شجرة وارفة الظل ..كثيفة الأوراق ،تمنحه حنان أم و شفقة أب حتى يغفو رغما عنه ،ثم يستيقظ فيعود أدراجه ليجدها على ناصية الشارع ،يراقب شحوب وجهها ، ويلمح قلقها فيربت على كتفها مطمئنا 

تصطحبه ويتعلق بيديها كطفل صغير .

تغازل أنفه رائحة طعامها الذي يحبه .

يجلسان في ود ،وتؤجل تساؤلاتها حتى

يشبع ..!

تخبره بسعادة عن النقود التي دبرتها لشراء تريسيكل جديد .

سنوات تمر وجهد لا يضن به حتى وصل لسن العشرين ..!

مشروعه يدر ربحا ورزقه يتسع ولكن طموحه توقف عند توفير المال وفك رهن التريسيكل وتسديد قيمة القرض الذي يرتبط بمكان يأويه وأمه التي وهنت و أكل الدهر من صحتها وعافيتها. 

نظراته الحائرة لحائط يقابله .. تدرك مغزاها ؛ تجيبه عن سؤال لم يسأله:

الشهادة كانت حلمي وحلم أبيك ولكن من يحصل على وظيفة في أيامنا هذه..!

يخبرها عن مشروعه فتبتسم ،وترفع كفيها للسماء .

اختار لونه بلون الدم ،وعلق على ساريته

أعلام خضراء ، ورسم له فنان حمامة بيضاء في الصدر مشرعة الجناحين، وفي الظهر ذئب فاغرا فاه مظهر نابين في فكه الأعلى و مثلهما في الفك السفلي .

عندما أتم إجراءات الترخيص أصبح جاهزا لممارسة عمله الجديد ..!

في موسم حار تصبح فاكهة البطيخ حلما لكل ظمآن .. رصها واحدة فوق أخرى ،وجلس في مقعد القيادة ،يطلق

موتور آلته بزهو ،ثم يتوقف داخل ساحة البيع ،ينادي بصوت رجولي يضيف إليه خشونة مصطنعة .. يقترب

زبائنه والسؤال عن جودة البضاعة فيقول:

حمار وحلاوة يا بطيخ .. يشق إحداها

باحتراف ويخرج قطعة أضفى عليها ما درسه من هندسة العمارة .. لونها الجاذب يثير شهية الزبائن .. يبتسم

وبضاعته تقل واحدة وراء واحدة ..!

تبقى معه عشرة فدلف بآلته التي تعانق هواء الغروب يكرر النداء:

حمار وحلاوة يا بطيخ ،يضطرب حين يرى المشهد الأمني ،يلتقط أنفاسه وتتوقف الكلمات في حلقه..!

ينزل رجل في زي رسمي ، يصعقه كم النياشين على صدره ، والنجوم والسيوف ترصع الكتفين ، يوقف آلته تعظيما حتى يمر الموكب .

يستوقفه الكبير بإشارة من صولجانه ، ويقترب حتى يشعر بأنفاسه ،ويسمع نبضات قلبه المرتجفة ،وارتعاشة أطرافه

يصرخ الكبير في وجهه :

ماذا تقول ؟!

يرتعد من هول المشهد ،فيعيد الكبير كلامه:

ماذا كنت تقول؟!

يستعيد رباطة جأشه،ويلملم بعض شجاعته قائلا:

حمار وحلاوة يا بطيخ 

يقول الكبير :

سمعني ما تقول  فيرد وكلماته تتقطع وحروفها تتناثر:

حمار وحلاوة يا بطيخ 

يتسائل عن رمزية الكلمات وبعدها الأمني فلا يجد ما يوقعه في مصيدة الهجاء والتلسين .

يردد دون أن يطلب الكبير :

حمار وحلاوة يا بطيخ 

يبتسم الكبير قائلا:

الحمار عليك والحلاوة عليا 

يحاول فك التلغيز فيفشل ويكتفي بالصمت .

يصرخ الكبير في وجهه :

كما قلت :

الحمار عليك والحلاوة عليا 

يصمت واللغز يزيد غموضا حتى يقول الكبير:

كم عددهم ؟

يرد :

عشرة 

الكبير :

بكم الواحدة؟

يرد:

مائة جنيه

الكبير يشير إليه صارخا:

ضعهم في صندوق السيارة 

ترتسم ابتسامة رضا على وجهه ،وتعود الدماء لأوردته وشرايينه .

يصيح الكبير في مساعده:

اعطه عشر علب حلاوة طحينية .

تعقد الصدمة لسانه ويتمتم بكلمات متقطعة الحروف ،مبتورة المعان .

ينتظر الأمر بالانصراف حتى يسمح له الكبير ،فيمضي وحين يختفي الكبير وموكبه يصيح :

حلاوة سكر زي البطيخ ،حين يعود 

تستقبله الأم بحنين وشوق ،تبتسم فتزيل خوفه ،ينظر نحو التريسيكل

قائلا:

دي حلاوة طحينية يااما ..!

تقول في بهجة :

كنت أشتاق إليها ،كيف عرفت ؟!

وحين أفرغ حمولة آلته ،وهدأت نفسه

سرد عليها ما حدث .

أخفت خوفها ورسمت ابتسامة ،وهدأت من غضبه قائلا:

لعل الخير يكمن في الشر .


عادل عبد الله تهامي السيد علي

مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع