الصديقان
الأديب / السيد فريج / يكتب
الصديقان
قصة قصيرة
السيد فريج
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
حُسَيْن أُستاذٌ جامعىُّ ، متميزٌ فى عملِه ، أكرمَهُ اللهُ بحُسنِ الخُلُقِ والخِلْقَةِ ، جادٌ ، مُتديِّنٌ ، متزوج من سيدةٍ راقيةٍ فاضلةٍ ، ولديّه طفلان احمد ومراد مَلِئا حياتَه سعادةً وبهجة .
صباحاً يتناول القهوة كعادته فى "كافيه" الجامعة ، إلى يوم ٍ تَعَرّفَ إلى جلال شابٌ فى مِثْلِ سِنِه يزيدُه الشَيْبُ فى بعضِ شَعرِهِ بهاءً وأناقة ، قَدَّمَ نفسَهُ لحُسيْن ، مهندساً حراً ، لديّه قبولٌ خاص ، نزلَ من نفسِ حُسيْن وكأنَ أمراً ما جمعَ الرجلان بصداقةِ اللحظةِ الأولى ، "كيميا" كما يقولون ، وتكررَ اللقاءُ حتى صار يومياً ، وكلما التقيْا زادت القربى والمودةَ ، وإنْ غابَ جلالُ افتقدَهُ حُسيْن وعاتبَهُ أنْ سَبَّبَ له ألماً نفسياً .
ويوماً قال جلالُ لحُسيْن
" صديقى لا أميلُ للصلاةِ فى مسجدك هذا ألا ترافقنى للصلاةِ فى المسجدِ الكبير "
" لابأس صديقي لكنَّه بعيد وأخشى أنْ يَشُقَّ عليَّا فتفوتني صلاةُ الجماعة "
وبعدَ إلحاحٍ و إرضاءٍ لصديقِه وافق ، ويوماً بعد يومٍ يُرْهَقُ ويَفترُ حماسُهُ ليُصَلى بعض الفروضِ فى البَيْتِ وقد زادت إلى أنْ صارت كلَّها ، يعتذرُ جلالُ قائلاً " لابأس صديقى فلنعدْ الى مسجدِكَ ، أنا أشدُّ مِنْكَ عزماً "
يبتسمُ حُسَيْن " فيما بعد فأنا مرهقُ هذه الأيام "
"كما تريدُ حبيبى "
ويبادرُهُ جلال " دكتور أنتَ لا تملكُ عيادةً خاصة ، فلِمَ لا تعطي دروساً للطلبة " مستطرداً "لا تقلقْ لدَىَّ المكان وسأوجه الطلابَ اليْك فعلاقتي بأكثرِهم جيدة "
يجيبُهُ حُسَيْن " كم أنت رائعٌ عزيزى ، أشكرك "
وكان .. ويخاطبه حسين مندهشاً " لِمَ طالبات فقط "
" هُنَّ أسهلُ فى التعامل "
وبعدُ أيامً .. يسأله جلال " ما رأيكَ بهيام "
حسين " ما بها "
"ألمْ تَلْاحَظْ "
" ماذا "
" معجبة بك ياصديقي .. حظوظ"
" يارجل " وقد أرضى ذلك غرورَه " هل أخبَرَتَكَ بشيء ، قلْ ، قلْ لا تستحي ، أنت حبيبى "
" نعم وأكثر فهى تحبُك و توَدُّ الإرتباطَ بك "
" أُووه ، أنا متزوج "
" ولك الحقّ فى التعدد "
" لا ، لا … أنا أُحبُ زوجتي ، ومن ناحيةٍ أخرى أنا إنسانٌ مسالمٌ ولا أُريدُ مشاكل "
" دع لي الأمرَ أُدبرُه "
ولمْ يمضِ وقتٌ طويل إلَّا و قد دخل حُسَيْن بهيام عُرفياً فى شقةٍ مفروشةٍ إستأجرها له جلال ، حسين لجلال " كم أنتَ رائعٌ وعظيمٌ حبيبي … تنجزُ أىَّ عملٍ تريد وفى أقصرِ وقت "
مستطرداً "خَسِرْتُ كثيراً قبلَ أنْ أعرِفَك " يبتسمُ جلالُ وقد استحسنَ كلامَ حُسيْن كثيراً ...
وتمرُّ الأيامُ و حُسَيْن يعيشُ سعادةً ما كان يحلمُ بها ، كَثُرَ المالُ بيدِهِ وتزوجَ بفتاةِ جميلة لم تكلفْه شيئاً ، يتحججُ لزوجتِهِ الأولى عن تغَيّْبِهِ بانشغالِهِ فى العملِ ويغرقُها أموالاً وهدايا …
و تمرُ فترةٌ ليست بالطويلةِ يتكررُ زواجُ حُسَيْن بحسناءٍ أُخرى بترتيبِ جلال ، وقد أرهقه العملُ لتدبيرِ مصروفاتِ ثلاثةِ بيوتٍ ، أكْثَرْنَ الضجيجَ من تَغَيُّبِهِ ، وكأنَّ السعادةَ باتت تُغادِرُهُ فيحزنُ كثيراً .
ودائما عندَ جلالِ الحلُ اليقين ، أقراصُ الصداعِ والمهدئات ، تُخْرِجُهُ من الهَمِّ إلى الغيبوبة ، يُدْمِنُها ، شاكراً لجلالِ فَضْلِه .
وتكثرُ مشاكلُ الزوجةِ والأبناء ، ولا يَدَعْهُ جلالُ حتى يُطَلِقُها ، ويهجُرُ بَيْتَه فالحياةُ أقصرُ من أن تمضي فى نكدٍ وغم .. هكذا قالَ جلال ٠
وما لَبِثَ يَنْفصِلُ عن هيام ، ويُعوِضُها مالاً مخافةَ الفضيحة ، وتزدادُ أزماتِه الماليةِ من شراءِ المخدراتِ وإهمالِهِ لعَمَلِهِ بالجامعة وانصرافِ الطلبةِ عنْه .
جلال لا تغادرُ وجهُهُ الابتسامةَ ، لديّْه المخرَجُ دائماً ، وحُسَيْن يتنقلُ بينَ النساءِ من زواجٍ عُرفىِّ إلى أخرياتٍ بغيرِ زواج ، تارةً مُتعةْ وأخرى مسيار إلى مِلكِ اليَمينِ والفتوى جاهزةٌ لعقلٍ مُغَيَّب .
إعتادَ حُسَيْن حياتَهُ وجلال ، و كَثُرَتْ المُتَعُ والإنغماس فى الشَهَوات ، و جلساتِ المخدراتِ وقد تنوعَتْ فلمْ يتركُ منها نوعاً ولا صنفاً وقد تعرَّفَ الى كثيرين من التجَّارِ والمتعاطين يشاركونَهُ حياتَهَ وسهراتِه .
وفي لحظةِ تَعَقُّلٍ ، جُلوساً يتناولان القهوةَ فى "كافيه" أوَّلِ لِقاء .
حسين يداعبُ جلال " أتدرى حبيبى ، أنِّي لا أعلمُ مِنكَ غيرَ إسمك الأول بينما تعلمُ عنى كلَّ شئ بل أدرتَ حياتى كلَّها حدثّْنِى عن نفسِكَ أرجوك إنِّي أُحبُك "
جلال وقد ارتسمت ابتسامةٌ صفراءُ على شَفتيْهِ " أَوَ لمْ تعرفْني بعد "
" نعم حبيبى أعلمُ فقط ما أردتَ أنْ تُعْلِمُنِى إيَّاه "
عزيزى حُسَيْن " سأُجِيبُكَ حالاً ، وقَبلاً أجِبْنِى أنتْ ، ألمْ تَفْقِدْ أسرتَكَ و وظيفتَك "
"نعم ولِمَ السؤال "
"ألمْ تَغرِقْ فى الفاحشةِ والرزيلة"
" إنما أنتَ قلتَ عنها حلال "
" وأنتَ تُدْرِكُ أنَّها حرام ، فقط تبتغى مبرراً وحُجَة "
" نعم حبيبي هو كذلك .. والمخدرات أليست حلالاً ، ألمْ تقلْ التحريمَ في الخمر "
" وهذه أيضاً تدركُها وقد صِرتَ فقيراً "
" لَمْ تُشْعرْنى بذلك ، كنت كريماً معي تعطينى أكثرَ مما أحتاج "
"و هذا لا يُغَيِّرُ الواقع "
حزيناً يردُّ وقد اختنقَ صوتُهُ واغرورقتْ عيناهُ بالدموعِ حسرةً وألماً " عِندَكَ حق كم أثقلتُ عليكَ صديقى "
يردُّ جلالُ " حُسَيْن "
" نعم حبيبي "
" إسمع من .. ألمْ يقلْ اللهُ عزَّ وجلَّ فى قرآنهِ الكريم : (الشَيْطانُ يعدكم الفقرَ ويأمرُكم بالفحشاء ..... )
" إذن أنتَ .... "
" نعم أنا " … يجيبُ والابتسامةُ تتسعُ وتصيرُ ضَحِكةً مُدَوِيَّةً مُرعبةً تخترقُ آذانَ حُسِيْن تَحْرِقُه .
ويهمسُ جلالُ لحسين " الآنَ وداعاً "
يستعطفُهُ باكياً ممسكاً بيدِه " لا لا … أرجوك أُقَّبِلُ يديْك وقَدَمَيْك جلال أرجوك ، لا أستطيعُ العيشَ دونَك "
" عزيزي ثُبْ إلى رُشْدِكَ ، أنا لستُ جلال ، أنا إبليس "
" ولو … لا أستطيعُ العَيْشَ دُونَكَ"
ويهمسُ إبليس " لَقَدْ أنهيتُ مُهمتي ولن تحتاجني بعد ، ولن تستطيعَ الفكاكِ مِنَ الخطيئةِ والفحشاءِ ، ألمْ تقرأْ قوْلَ اللهِ تعالي :
( بلى من كسبَ سيئةً وأحاطتْ به خطيئتُه ..... )
وبعد لَمْ تَعُدْ تحتاجني "
" أنتَ صديقي ولا أستطيعُ العيشَ دونك لا أتصورُ أنْ تتخلى عني هكذا "
" بل صِرتَ رفيقاً وأخاً لى ، ولو أردتَ ألا أتركَكَ أبداً ، فلتكفرْ بالله"
حسين صارخاً " لاااااااااا … اُغْرُبْ عني يا لعين ، أعوذُ بالّلهِ مِنْك ، أعوذُ بالّلهِ من الشيْطانِ الرجيم "
يختفى جلالُ وكأنْ لمْ يَكُنْ ، وحُسِيْنُ يقعُ مُغشياً عليْه ، أنقاضُ إنسانٍ يحملُهُ طُلابُهُ إلى المستشفى يتمتمون
" لا حولَ ولا قوةَ الا بالله ، دكتور حُسَيْن ، واحسرتاه .. واحسرتاه"
…
تعليقات
إرسال تعليق