أدرينالين:
الأديبة / أناستاسيا أمال/ تكتب
أدرينالين:
" أنا ذنبك الوحيد بين كم حسناتك"، ويطلق علي شواظ من نار فيحرقني به، دائما أرى هذا الكابوس عند نومي، ليحرم علي لذته أو إقبالي على ممارسة نشاطي لما يبصر النهار......
لم يكن واضحا تماما ما يساورني كل ليلة، هي نيران تتجه نحوي بألسنتها، وصوت غريب في وسطها يردد:" أنا الذنب الوحيد بين كم حسناتك الهائل، وسوف ألتهمه لك"، لما أسمعه أواصل ركضي بسرعة خارقة لكن النيران تلتهم جزءا مني، فأفتح عيني كل ليلة على صرخة قوية توقظ كل من في البيت...
"لماذا أرى هذا الكابوس كل ليلة، لم تحولت حياتي إلى جحيم بسببه؟!، لقد تدهورت صحتي، وفسدت علاقتي مع نفسي وأهلي، والضمير بدأ رحلة تعذيبي بلومه الذي لا يرحم، فما هو الحل يا شيخ، أرجوك دلني عليه"، وهممت بتقبيل يده فأبعدها عني، وقال:" يبدو أنك أسأت لأحدهم أو ظلمته وعليك تذكر من يكون، فربما تستطيع الفوز بعفوه، فيرتاح بالك، ويسكن ضميرك الهائج"، هيأت كل شيء لتقوية ذاكرتي، وقعدت مسترخيا أحاول إيجاد لغز ذلك الصوت، لمن هو، ولماذا يقر بكثرة حسناتي، هذا يدل ربما على معرفته القوية لي، وظلمي المرير له.....
أعلنت حالة الطوارئ، وسجلت لائحة أسماء لأشخاص توقعت أنني ظلمتهم، واستطعت إخماد نار هواجسي حينما اعترفوا بفضلي وحسن معاملتي لهم، فشعرت بالخبت لبرهة من الزمن، واستلقيت متمنيا زوال ذلك الكابوس، لكنه حافظ على زيارته لي، وتجسدت هذه المرة صورة الرجل وهو يردد الصوت، ففزعت مستيقظا في الثالثة فجرا، و سجدت لله باكيا و داعيا له أن يلهمني التكفير عن ذنبي، حتى غفوت بعد سجودي، فرأيت ما حدث بيني وبين ذلك الشاب الذي كان بائعا في المتجر، وما قلته له لما أخطأ في حساب ما اقتنيته:
"لا أدري كيف وظّفوا أمثالك هنا؟!"، في الغد استنفرت كل طاقتي عازما على البحث عنه حتى أجده وأطلب منه العفو والسماح، واستمر ما عزمت عليه أياما فشهورا ثم سنين، حتى دلني أحد أقاربه - الذي حدّثني مطولا - على قبره في أقصى الجنوب، جثوت على ركبتي، وشعرت لوهلة أن الزمن توقف، ودمي تجمد في عروقي، وقلبي أوقف نبضه للحظات ترحما على موت أملي ورجائي، وراحتي من عويل ضمير ظل يؤنبني طيلة عقد من الزمن، فترحمت عليه ونقلت له بدموعي ونحيبي ما أشعر به من ندم على ما أقدمت عليه - بجهل تام مني لما سيحدث - تجاهه من جور عظيم، بعدما حكى لي قريبه كيف طرد من عمله في تلك اللحظة، وعانى كثيرا لإيجاد وظيفة أخرى، لكنه فشل، ومن شدة إحباطه وحدة نظرات الاحتقار والشفقة عليه، لم يحتمل وأصيب بجلطة دماغية أدت إلى شلله التام، وبعد خمس سنوات فارق الحياة.....، فقبلت يديه متوسله أن يدلني على ما أكفر به ذنبي مع فقيدهم، فسلمني عنوانا قائلا:" ربما سيسامحك إذا ساعدتهم"، وانصرف، حينها استجمعت ما تبقى من قوة لدي وقصدت المكان بقدمين تسابقان الريح ولما دخلته وجدتني بين ثلة أطفال وأمهم في حالة يرثى لها، فتحدثت معها برهة من الزمن، وبابتسامة ألقيتها على وجوههم، شعرت بالنار الملتهبة في صدري قد أخمدت، فتنازلت لهم عن بعض ممتلكاتي سعيدا بذلك، وحرصت على زيارتهم كل يوم بنشاط وحيوية، ولم يعد ذلك الكابوس يراودني، بعدما رأيته في المنام يبلغني عفوه ورضاه عني، وأخيرا تذوقت راحة البال والحمد لله رب العالمين.....
أناستاسيا آمال
تعليقات
إرسال تعليق