الأجير
قصة ~ الأجير
الكاتب ~ رأفت عبد الستار ~ يكتب..
~~~~~~~~~~~~~~
الأجير
جلس سعيد أسفل كوبري المريوطية واندس بين الجالسين الذين لهم نفس هيئته...كل يوم يأتي سيرا على الأقدام من حجرته بكعابيش
تاركا خلفه زوجته وأولاده الأربعة.
كالعادة يمر المتعهد بسيارته نصف النقل ليختار عمالا فلايقع اختياره إلا علي الأصغر
سنا والأقوى بنية...وسعيد لاهذا ولاذاك قدتخطى العقد الرابع بجسده النحيل القصير وجلبابه
المتطاير فى الهواء لشدة نحافته ولكنه يطمع
أن يقع عليه الاختيار اليوم بعد مكوثه أسبوعا
كاملا بلاعمل.
ظهرت سيارة المتعهد بصندوقها الخشبي الذى
تعلق به الجالسون أملا في الصعود إليه ولم
يصدق سعيد نفسه عندما اختاره المتعهد للعمل.
فقفز في صندوق السيارة وتبعه آخرون في نفس هيئته ولكثرتهم أصبحوا كجسد واحد
متماسك داخل الصندوق.
انطلقت السيارة بسرعة تطوي الطريق إلى أن استقرت أمام مبني فنزل المتعهد ونظر الي هيئتهم المزرية وهو يقول :
_ العمل اليوم ذو طابع خاص لذا ستقومون
باستبدال جلابيبكم بأفرولات تسهل العمل.
وبدأت أصوات همهمة قاطعها بقوله:
_العمل بسيط ستقومون بتقليم الأشجار
وهو عمل سهل يحتاج أجسام خفيفة لذا
وقع اختياري عليكم ...تسلق الشجر ليس
بالأمر العسير.
ثم قال وهو يحذرهم:
_المكان مختلف عن كل مرة.. فلا تمدوا
أيديكم على شيء...ولانظركم يتلصص على أحد.. الأمانة قبل العمل..... قداعذر من أنذر.
على بوابة الكومباوند تم تسجيل السيارة
وسحب بطاقات العمال واستبدالها بأرقام
ونوع المهمة وتم توزيع العمال بتوجيهات المشرف .
أخذ سعيد وباقي العمال ينظرون لمباني الكومباوند الفاخرة والخضرة والشجر في كل
مكان وكذا طبيعة البشر الهادئه والنساء الجميلات كأنهم أمام فيلم سينمائي ولم
يصدقوا أن ماكانوا يعتبرونه خيالا ومبالغة له
أصل فى الواقع أكثر جمالا فلم يسبق لهم
التواجد في مثل هذا المكان فكل الأعمال التى مارسوها من قبل لعمارات باهتة المعالم تحت
الإنشاءيقضون يومهم فى حمل الرمل والأسمنت أوهد بعض الحوائط أو تكسير الأرضيات لمد شبكات الصرف والمواسير
لايروا خلال عملهم إلاالمناظر الخشنة لمباني تحت الانشاء يقطعوا أدوارها صعودا وهبوطا
على سقالات أودرج من الأسمنت لذا تحمس
سعيد للعمل نظرا لما يراه من جمال ومتعة للنظر والنفس وراح يمارس عمله بهمة ونشاط
عسي أن ينال رضا المتعهد فيأخذه في المرات
القادمة وراح.يعتلي الشجرة وهو يضع يده في جيبه ليخرج ساندوتش الطعمية وأخذ منه
قضمه تبعتها رشفه من زجاجة ماء وجدها فقدت طراوتها فاحتسي بعض القطرات علي
مضض وعندما نظر لأسفل وقع نظره على الفيلا الساحرة تحته وحمام السباحة يتلألأ فيه الماء الصافي ورآه وهو يسبح بمهارة وهي
بجانبه تداعبه فاشتعل قلبه بالغيرة وصاح:
_ يابن المحظوظة..انت تبلبط وتلعب وانا فوق
الشجرة اتنقل من فرع لفرع كالقرد !!
وتذكر خناقة كل يوم والصراع علي دخول الحمام المشترك بينه وبين جيرانه شاغلي
الحجرات المجاورة وهو حمام بلدي ملحق به
دش بارد أما حوض غسيل الوجه والوضوء فهو منفصل عن الحمام وتساءل بينه وبين نفسه:
_لماذا الحياة ظالمة تعطي كل شيء لمثل
هذا الذي لايستحق وتحرمه أبسط حقوقه
أن يعيش كإنسان ولذا ازدادت غيرته وحقده
عليه ...
ورآه يجفف جسمه من الماء ويرقد بجوارها وأناملها الرقيقة تغوص فى جلده
وهى تنظر إليه وتعامله بحنان شديد. وتقبله
ثم تمد يدها بالطعام إليه فسرح بذهنه وتذكر
لمته وأولاده حول الطبليه وأيديهم في صراع
للوصول إلي الطعام الذي لا يتبقى منه شيء
وبينما هو فى غفلته هذه سقط من فوق الشجرة فهرول إليه محتجا على وجوده فى المكان ومتعجبا من هيئته وبينما هو يقترب
منه وهو يصيح فى وجهه فما كان من سعيد إلا أن ركله ليبعده عنه وهنا قامت السيدة مذعورة وهي تستنجد بالأمن الذي اقتادوه
القسم والسيدة معهم التي صاحت بغضب
موجهة حديثها للضابط :
_هذا الحيوان اقتحم الفيلا وتعدى عليه بالضرب...
قال الضابط:
_لوسمحت دعيني أفهم الموضوع؟
قالت السيدة بعصبية:
_هذا الحيوان تعدي عليه بالضرب.
قال الضابط بلهجة حادة:
،_لن أسمح بهذا التجاوز ..تكلمي بشكل لائق.
ثم قال الضابط مستوضحا الامر:
_كيف دخلت الفيلا؟
قال سعيد وهو يستجمع نفسه:
_أنا لم أدخل الفيلا.
وهنا استشاط الضابط غضبا:
_إنت حاتستعبط...
قال سعيد وهو يرتجف:
_لأيابيه...هي دي الحقيقة.
وهنا تدخل المشرف لإيضاح الأمر:
_حضرتك هو أحد العمال وقد سقط من الشجرة إلى داخل الفيلا أثناء تقليمها.
وهنا صاحت السيدة بغضب:
_وهل هذا يعطيه الحق ليضربه هذا الهمجي.
ثم قالت بنفس اللهجة وهي تنظر لسعيد باحتقار:
_لن اتنازل عن شكواي لو سمحت افتح محضر.
وهنا اعتدل الضابط في جلسته وأمر الصول
بفتح محضر .
وسأل السيدة عن سر عدم تواجد المعتدى عليه...فقالت:
_تركته يرتعد لابد وأنه يعاني من أزمة نفسية
فلم يسبق أن عامله أحد بهذه القسوة...إنه حساس للغاية.
فنظر الضابط إليها متعجبا وقال ؛
،_لابد من وجوده لمواجهة المتهم..والوقوف
على الضرر الذي لحق به ...وهنا مدت السيدة
يدها بمجموعة مستندات فتساءل:
_ماهذا؟
قالت السيدة،:
_وثيقة سفره وبياناته الشخصية.
نظر الضابط للصورة الشخصية وقال بإستغراب:
_هذه مستندات خاصة بكلب...أنا أريد الشاكي
قالت السيدة وقد أربكها السؤال:
_كوكي هو المجني عليه وهذه مستنداته.
قال الضابط وقد تعاطف مع هيئة سعيد وهو
يرتعد:
_,لماذا ضربته؟
قال سعيد:
_,أنا ركلته لأبعده عني حين هاجمني ولم أقصد أن أضربه .
قالت السيدة محتجة:
_هو ليس ككلاب حارتكم المتوحشة أيها المتوحشون الهمج .
قال الضابط غاضبا :
_هذا سب فى حق المتهم ...في النهاية لاتقارنيه بكلب هذا غير لائق دعينا نحل الموضوع بشكل ودي.
ثم أردف :
_هذا الرجل يعمل باليومية وهاقد فقد يوميته
وايضا العمل بنفس المكان.
قالت السيدة وكأنها تحدث نفسها:
_كوكى المسكين دخل فى أزمة نفسيه عنيفة
لا ادري كيف سيتجاوزها لابد من عرضه على
أخصائي نفسي.
ثم قالت كأنها تندب حظها:
,_هذا الكلب من سلالة نادرة إشتريته من أمريكا وهو معروف سلالته أبا عن جد
انظر لأوراقه حضرة الضابط المسكين دخل
فى أزمة نفسية أنه رقيق جدا وعطوف جدا
وهذا الوحش الهمجي تعدي عليه بالضرب
وتطلب مني التنازل ...لن اتنازل أبدا
اقترب سعيد من السيدة مستعطفا:
_أرجوك تنازلي عن الشكوى ..وانا تحت أمرك في أي شيء
نظرت إليه بتعالي:...وهي تتفحصه من أعلي لأسفل...قال سعيد:
_دعيني أقدم له الطعام ..أخذه يلعب وبذلك
ينسي عداوته لي ويعود كسابق عهده وأكثر
تدخل الضابط الذى تعاطف مع سعيد قائلا:
_اقتراح جيد طالما سعيد لم يقتحم المكان
ولم يقصد ايذاؤه.
صمتت السيدة بعض الوقت وقد اعجبتها الفكرة ثم قالت:
_فلنجرب احتراما لحضرة الضابط الذي تحمل
غضبي.
ثم قالت لسعيد لنشتري لك ملابس مناسبة
حتي لاتذكره بهيئتك التي ارعبته.
ثم سألته:
_،مااسمك؟
أجابها:
_سعيد
قالت
_اسمك بالكامل؟
أجابها بكل حماس:
،_سعيد
مرتاح
راضي
بقلم،:
رأفت عبد الستار
تعليقات
إرسال تعليق