قناديل جدتي



 قصة ~ قناديل جدتي 

الكاتب ~ خليل الشلتوني ~ يكتب..

~~~~~~~~~~~~~

،،،،،،قناديل جدتي ،،،،،،،

وأخيراً وبعد طول عناء وصلنا إلى مدينة براكو في شمال جمهورية بنيين في غرب أفريقيا .

ثماني ساعات مرت طويلة متعبة منذ أن خرجت من بيتي إلى أن وصلنا إلى هنا .

اخترت أن اسافر في النهار حتى أستمتع بالمناظر  الخلابة على طول الطريق .لكن يا ليتني سافرت بالليل ولم أر ما رأيت !!


الباص يمضي بهدوء منطلقاً إلى شمال البلاد مخترقاً القرى الكثيرة المنتشرة على طول الطريق الطويل وكأنه نهر النيل  الجميل الذي يغدق على القرى التي يمر عليها بالخيرات والبركات والرزق الوفير  .

تتشابه القرى على طول الطريق بوضعها المأساوي ، 

بيوت خشبية قديمة ، أسقف من الزنك صدئة مهترئة ، 

ولكنها تختلف بنوع الصنف الذي يحمله شباب وشابات القرية ويتسابقون به نحو كل حافلة أو سيارة صغيرة تقف عندهم ، 

فهذه القرية تبيع البرتقال بسعر زهيد وتلك تبيع الملح وأخرى تبيع الفحم أو الفستق وأخرى تبيع الحطب ،

كنت أراقب الوجوه التي تقف على جانب الطريق فلم أر ابتسامة على وجه شاب أو شابة ،

وكيف للابتسامة أن ترتسم  على شفاه تشققت من وراء اللهاث طوال النهار من سيارة إلى سيارة أملاً في ربح بسيط ، عله يعود على صاحبه ببعض الفرنكات التي تكفي لشراء طعام العشاء له ولأسرته، 

أجلس بجانب الشباك ، خليط من الحزن والرأفة يمزق قلبي كلما مررنا بقرية أو مدينة صغيرة ، 

يزداد ذلك الألم تأثيراً في نفسي ونحن في زمان التقدم والرغد والحياة السهلة البسيطة ولكن تلك السهولة والبساطة لم تكتب لهم بعد ، 

كنت كلما مررنا بقرية أرى العديد من النساء والأولاد يقفون طابوراً طويلاً على بئر  الماء الوحيد بالقرية والذي  يعمل  عن طريق المضخة اليدوية والتي تحتاج بالطبع إلى جهد كبير حتى تخرج المياه العذبة لتروي عطشهم ولتغسل بعضاً من همومهم وآلامهم . 

انقضى النهار وأخذت الشمس تلملم بقايا خيوطها عن القرى ، وما زال اللاهثون يركضون من هنا إلى هناك ، 

تركت آخر قرية قبل أن يسيطر عليها الظلام تماماً بانتظار أن نمر بقرية أخرى تقف على قارعة الطريق ،

من بعيد شاهدت بعض الألوان البرتقالية تنتشر بشكل كثيف ، فتحت عيوني أستطلع  الأمر ، 

خفف الباص من سرعته كعادته كلما مررنا بقرية ، 

لأول وهلة لم اصدق ما أرى ، 

إنها قناديل جدتي قبل مئة عام .

ولكن قناديل جدتي كانت أفضل حالاً منها  فالشعلةفي قنديل جدتي  كانت محمية بزجاج شفاف فتنعم الإضاءة فيه بالنقاء والثبات ، 

أما هذه القناديل فهي بدائية جداً وبدون  زجاج لذلك كانت تتحرك الإضاءة بفعل الريح ،

أخذت اراقب الأضواء البرتقالية  المنتشرة بكثافة وهي تتمايل بجنون بفعل الرياح وتتراقص أيضا مع زميلتها الإنارة القوية المبهرة والتي تضيء سماء باريس ونيس وكافة المدن الفرنسية بدعم  كبير من الذهب واليورانيوم والخيرات الإفريقية،

 وآآآه 

 عمار يا استعمار

خليل الشلتوني 

الأردن 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع