وجدان



 قصة ~ وجدان

الكاتب ~ خليل الشلتوني ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~

،،،،،وجدان ،،،،،،،

بدأت نساء الحارة بالتجمع على بلكونة أم نعيم ،

 الوجوه يلفها حزن عميق ،فاليوم اللقاء بين الجارات مختلف والحدث كبير ومؤلم ، 

تناولت أم  سمير فنجان القهوة ونظرت الى أم نعيم 

_هل تعتقدين أن الطائرة قد وصلت ؟ 

_والله المفروض أنها قد وصلت ويجب أن يكونوا بالطريق الآن ، أجابت أم نعيم

تنهدت أم سمير بألم ثم قالت بصوت مبحوح 

_معقول يكون خبروه بالطريق !

_ما ظنيت ، صمتت أم نعيم لحظة ثم تابعت ، سواء بالطريق أو هنا ، سوف يعرف ، الله يكون بعونه، 

والله إنها لمصيبة كبيرة ، 

هذه هي وجدان حبيبة قلبه ، وروحه ، أخذها بعد قصة حب كبيرة، فكل سكان المخيم يعرفون أجمل وأحلى حبيبين ،

إنهما وجدان وزهدي .

تدخلت أم أحمد قائلة ، 

_تعرفوا يا جماعة ، المصيبة أن المسكين زهدي غائب منذ سنة كاملة وعندما توفيت زوجته منذ أسبوعين لم يخبروه بموتها لأنه حاجز للعودة منذ زمن طويل ، صمتت أم أحمد تبلع ريقها ثم تابعت

_لكن  والله يا ليتهم خبروه .المسكين تلاقيه نصف الهدايا لوجدان والآن سوف يصل ويفاجأ برحيلها ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، 

الله يرحمها ،والله إنها كانت من أحسن الجيران ،

نظرت أم أحمد إلى أم نعيم ، 

_والله يا حجة قصة وفاتها صعبة وغريبة ، كل يوم الناس تعمل عملية الزائدة الدودية والقليل من يموت بسببها. 

_كلامك والله صحيح يا أم أحمد ، لكن هذا قضاء الله وقدره ، هذا أولاً وثانياً  ،الناس الجهلاء يسببون المصائب ، 

المفروض يا أختي بعد العملية ما يشرب المريض شيئ نهائيا ، 

لكن هذه المسكينة وهي تحت تأثير البنج طلبت تشرب ماء ، ولا نعلم من الذي سقاها الماء فكانت القاضية ، الله يرحمها . 

وبينما النساء في حديث الحسرة والألم عن جارتهم الغالية الشابة وجدان كان زهدي يضع حقائبه فوق   العربة استعداداً للخروج من قاعة القادمين، 

عشرة من الأقارب يقفون بانتظار الغائب بعد سنة من الغربة في ليبيا ، 

أطل بوجهه الأبيض المستدير وابتسامة كبيرة تعلو محياه ، نظر يميناً وشمالا ، ثم قال في نفسه 

_ما هذا الجمع الكبير، لم أتوقع هذا العدد  ، تعانق الجميع، الحمد لله على السلامة يسمعها من كل الاتجاهات ، 

نظر زهدي في الوجوه حوله ثم وجه الكلام إلى أبيه ،

_ أبي أين  وجدان والأولاد ؟ 

تعلثم الأب قليلاً ثم تمالك نفسه ، 

_هم بالبيت ، لأن وجدان متعبة قليلا ، وقبل أن يستمع إلى أي تعليق من ابنه استدار مخاطباً الجميع هيا إلى السيارات تفضلوا تفضلوا . 

، وقفت السيارة أمام البيت تماما ،

ووقفت النساء على  الشرفات يراقبن بصمت  وعدد من الرجال والأولاد أمام البيت ، 

الوجوه لا توحي بالفرح بل تخبئ في داخلها حزن عميق ، كانت العيون تراقب السيارة وتنتظر لحظة نزول زهدي منها ، 

أنهر  من الدموع محبوسة في العيون تترقب  إشارة صغيرة للانفجار ، 

نزل زهدي بهدوء وريبة  ، يتردد في داخله شعور غريب  ، 

 توقف ببصره عند أبيه وبصوت مضطرب ، 

_أمانة عليك يا أبي  ما الأمر ؟ 

 حاول الأب أن يتمالك نفسه ، تقدم خطوة ، وقف أمامه وضع كلتا يديه على كتفي ولده زهدي 

_ولدي حبيبي ، للأسف وجدان توفيت منذ أسبوعين ، الله يرحمها ، 

لحظات صمت كأنها عمر طويل ، الكل يراقب ، لا تبدو على زهدي أية إشارات أو علامات تأثر ، لكن بركان من المشاعر في داخله يكاد أن ينفجر ، 

تنهد بصمت ، ثم نظر إلى أبيه ، ماذا تقول يا أبي ؟

_وجدان ماتت!!  

هز أبوه رأسه أن نعم ، 

 تنهيدة عميقة خرجت ضعيفة مجروحة 

_حبيبة قلبي وجدان رحلت ، شمسي قمري عمري حياتي ، ماتت ؟!!! 

تمالك الأب نفسه ثم قال 

_قضاء الله يا ولدي ،  الله يرحمها ، 

القدم اليمنى ترنحت قليلاً وضعفت وتبعتها الرجل اليسرى نظر زهدي في الوجوه ، 

الصورة بدأت تتبعثر والجسم بدأ يترنح ثم سقط مغشياً عليه

وهذه كانت الإشارة

انفجرت أنهر الدموع من العيون وارتفع صوت النحيب والألسن  تلهج بالدعاء 

الله يرحمها ويكون بعونك يا رب.


خليل الشلتوني 

الاردن 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع