طفولة مشردة

 قصة قصيرة ~ طفولة مشردة 

الكاتبة ~ إكرام التميمي ~ تكتب..

~~~~~~~~~~~~~~

 "طفولة مشردة "

من وهج الحروف تولد الحكايا ومن خاصرة الألم يولد البوح ،ومن صرخات الوجع لأم ثكلى يولد الأمل . 

يولد طفل جميل المحيا ،وسط بكاء وعويل وبرد قارص ومطر يقض مضاجع الألم ومع صرخاته الأولى تلفظه الأم من رحمها إلى رحم الحياة وتلفظ معه أنفاسها مودعة .

في إحدى خيم الشتات يولد أحمد .

طفل سوري تائه الجنسية بين دولتين واحدة لفظته خارجها وأخرى احتضنت  ألمه ولو بالقليل .

وها هو هناك يكبر قبل أوانه ،حافي القدمين أشعث الشعر ،رث الملابس ، وفي جعبته أحلام وأمنيات كثيرة  .

" مهندس أو  ضابط أو حتى طيار  "تلك هي أمنياته وأحلامه وفي الحقيقة واقع كان يرفضه فهو يلملم أحذية المارة ليبيعها ويقتات من ثمنها ،وها هو يتنقل يبن الخيام يلملم العلب الفارغة وبقايا الطعام وأشياء أخرى تشبه الموت .

لقد كبر الطفل وأصبح رجلاً قبل أوانه .

يسمع أزيز الطائرات تقصف بيوت البلدة ونداءات للسلام والاستسلام تقض مضاجع أهل الخيام .

ولا زال يبحث بين الأنقاض عن العلب الفارغة .

ها قد اقترب موعد وصول حافلة الطعام المغمس بذل الحاجة . 

تجمهر الجميع حول الحافلة  لتناول حصتهم من الطعام الذي تقدمه لهم لجنةالإغاثة مصطحبين معهم هويات اللجوء مدرجة أسماؤهم بأرقام فيها ،

فلا يعدو الواحد منهم سوى رقما .

غافل أحمد الجمع الغفير وعبر إحدى الحافلات وتوارى الطفل الصغير ليخرج من ويلات الحرب واللجوء الى  لجوء آخر ٠

وصل إلى المدينة ،أضواء مبهرة للعيون وكأنه دخل الجنة وكأن أحلامه الصغيرة تحققت . 

جلس على قارعة الطريق يتلوى من الجوع والبرد والتعب وغفا على مقعد خشبي يتدثر بأحلامه وأمنياته ، ويقتات على صور الطعام في مخيلته ليصحو على أسئلة لا حصر لها ولا أجوبة  . 

من أين أتيت ؟

وكيف أتيت ؟

ومن أنت ؟

أخذ يطالع الوجوه وهو مذهول .

جُلّ ما يعرفه اسم أمه وصندوق صغير في جيبه يخبئ به بعض أمنياته .

اقتادوه لدار الرعاية لتحضر مربيته الجديدة . 

وقعت الأوراق وأخذته معها .

لم يستطع النوم حينها لأنه لم يعتد النوم على السرير ولبس الحرير .  

كبر الطفل الصغير وأصبح رساماً يرسم المعاناة ألواناً ودرس وتخصص في علم النفس ولم يزل صندوقه الصغير يلازمه ،في حله وترحاله . 

كبر الطفل وما زال يحلم بوطنه ويحن إليه كما يحن الناي لغصنه .

بقلمي

اكرام التميمي