《《 انتصف الليل 》》







الأديب/ أحمد سيد عبدالغفار/ يكتب 


 انتصف الليل


 انتصف الليل, تعانق العقربان ولم يفترقا, توقّفت عن الكتابة, أغلَق الخيال بابه في وجهي, ضاعت اللُغة والمُفردات, طَرَد العقل كل الشخصيات وقَتلَ السارد ثم أحرَق الأحداث.

اشتياق مُفاجئ لِعبَث الماضي, تسلّلَ خِلسة إلى أعماق رَوحي, يُذكّرني بأيام الفراغ والتفاهة, يُزيّن لي أمسيات السهر برفقة السكارى, ينبش في قبر الذاكرة ويُخرج ما دُفِن في تُربة النسيان, أجساد تتلوّىَ في مُنحنيات القلب ودفتر مليء بالقصص الساذجة عن الحُب. لماذا يُهاجمنا الإشتياق في أيام الحُزن والعُزلة؟ لماذا تنفجر الذاكرة وتُثير الهرج بداخلنا في لحظات التّية؟ حين تضيع معالم الطُرُق ويختفي الرفاق ويهجرنا الشغف!  

  

شعرت برغبة قويّة في التجوّل, في التّيه وسط الزحام والانصهار في حكايات الوجوه وذكريات الأماكن, لعلّي أجد ما لا أبحث عنه ولا أعرفه, كنت في حاجة إلى عِطر أُنثىَ ومزاح صديق وبعض الكلمات اللطيفة, إلى إنسان يُرافقني في السير والتسكُّع, يُنصت لي, نتلذّذ بصمت الشارع الطويل الخالي من المتاجر والمارّة, نجلس بجانب شجرة يابسة لا تُثمر أو قبر لا نعرف من بداخله, نُدخّن ونتحدّث عن أشياء مُحرّمة في شرع الذاكرة, عن الحب... الذكريات... الخيانة... الموت.


في ظلامي الداخلي.. سرت وحدي, رافقت نفسي في متاهة العقل الأبديّة, أرواد رغبتي على التخلّي والاستغناء, أُقنِع شَهوتي بالرحيل أو الانطفاء, أعاتب نفسي ونتبادل الاتّهامات, أتعرّى من كُل زَيف وأفتح صندوق الأسرار والاعترافات, ألوم قلمي على خجله وخوفه من سِياط النَقد وجَلد الوَعظ واستنكار حاملي راية الفضيلة.

وحدي.. بلا رفيق, بلا كُتُب أو شارع لا يتّسع لِفوضاي واضطراباتي, فقط أنا وذاكرتي... وبعض الأوفياء الذين لم يهجروا القلب ولَم يتخلّوا عن الوطن الصغير المُحاصر بالورَق.

  

- احمد سيد عبدالغفار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع