خيانة!
قصة ~ خيانة!
الكاتبة ~ أسمهان كلاع ~ تكتب..
~~~~~~~~~~~~~~~~
خيانة!
علا زعيقُ البشر المتدافعين بمناكبهم عند بوابات القطار، تأمَّلتهم بسخرية، كلُّ هذا الصِّراع من أجل المقاعد؟ كأنَّها رحلةٌ إلى الفردوس! و ما هي إلاَّ روتينٌ يوميٌّ مُضجرٌ نحو الأعمال المتراكمة... أو المنازلِ رتيبة الأجواء!
ميَّزتُ منهم كهلاً بدينًا مكتنز الشِّفاه عريض الشَّاربين، أوحى مظهرهُ الماكرُ أنَّه موظَّفُ ضرائب أو مفتِّشٌ فضوليٌّ يدسُّ أنفه في كلّ شاردة و واردة. و إلى جواره جلست فتاةٌ غارقةٌ في مجلَّة أزياءٍ حديثة الصُّدور، و قد اجتمعت على وجهها جميعُ أنواع المساحيق الصَّارخة، بينما انتشرَ عطرها كلَّما حرَّكت يديها لتقلب صفحات المجلَّة، كان هناك سرورٌ كامنٌ في عينيها، كأنَّها على موعدٍ هام، ربَّما وجدت شريكَ العمر، و ها هي ذي مسافرةٌ إليه!
زحف نظري إلى غيرهما، رجلٌ أسمرٌ يشغلُ المقعد بجانبي، لم يُفارق العبوس وجهه، و بدا المقعد غير كافٍ لقامته الفارعة، فاستعصى عليه مدُّ ساقيه الطويلتين بارتياح، بدا مُنفرًا رغم وسامته، حتى القهوة التي قُدِّمت إليه، رمقها بقرفٍ و أشاح بوجهه نحو زواية أخرى، رغم ذلك شعرتُ بالحنان نحوه، كأنَّ يدي خُلقت لتكون فوق كتفه تُقوِّيه.
نظرةٌ واحدة في تلك الوجوه أخبرتني عن أسرارهم و وجهاتهم، إلاَّ أنا...! ألفُ تدقيقٍ لصورتي في زجاج النَّافذة لم تُسعفني لأعرف من أنا؟ و ماذا أفعلُ على ذلك القطار؟ حضرَ مُحصِّلُ التَّذاكر ببدلته الرَّسميَّة و ملامحه الجديَّة، خاطبه رفيقي الأسمر بلهجة مريرة و هو يشيرُ إليّ:
-نحن زوجان، قطعنا تذكرتين إلى العاصمة.
عصفت بي المفاجأة، هاجمت المشاهدُ القديمة عقلي بعنف، عاد الصُّداعُ الرَّهيب، حجبت الدُّموع كلَّ منظرٍ أمامي و أنا ألمسُ يد الرَّجل الذي تبيَّن أنَّه زوجي بخوف، همسَ لي قلقًا:
-ماذا؟ بمَ تشعرين يا عزيزتي؟
-لا شيء... فقط عشتُ فصلاً آخر من خيانةٍ تأتي كلَّ ساعة... خيانة ذاكرتي!
اسمهان كلاع
تعليقات
إرسال تعليق