♡♡♡ بلورة الحياة ♡♡♡
الأديبة/ أناستاسيا امال/ تكتب
بلورة الحياة:
على الساعة الثانية صباحا لا يسمع في ذلك البيت إلا الحشرجة، التأوه، عينان شاخصتان في السقف، نفسٌ تتساءل بتمدد صوتها المرهق على أحبالها الصوتية:" متى تعود يا أمين، النهاية أوشكتُ على ولوجها " وساد الصمت في أرجاء منزل قد تعالت فيه الضحكات واللعب الطفولي بين زوجين مثاليين قبل أن تتوغل أنياب الفراق في عنق سعادتهما.......
وذاك المنتظر في تصارع مع الرياح العاتية، ظلت خطواته متسارعة وكلّما اقتربت كان السقوط حليفها، فيبطئ من تقدمها.....، وكأنه يفرض عليه ما لا يريده؛ التأخر عنها......
من النافذة المطلة على الشارع، بقيت نظراتها تترقبه وهو يمر عليها، ثم تنظر إلى الصغير المترجم لجوعه ببكاء يجذّ امدادات الظلام لروحها بسكينته.....، تتمنى صمته الأبدي خلال وضع أصبعيها في أذنيها حتى تعزل صوت العوز والفاقة عن وعيها، لتواصل استنشاق نشوة التظاهر بالشبع والقناعة، وسراب غنى النفس.............
وأعوان الحماية المدنية حرصوا على تنظيف قنوات صرف المياه، ليتفاجأوا بعدة جثث لصغار لم يتجاوز عمرهم السنة، ملقاة هناك، في أفقر حي شعبي، لا تدوسه أقدام المسؤولين إلا في زمن الانتحاب، عفوا نقطة ( الخاء) سقطت عمدا، لاكتمال المعنى..........
في زاوية أخرى، وبعيدا عن اختلال التوازن المادي تأملت في مرآة بذخها لبرهة من الزمن، وتأكدت مما خامر مخيلتها من ريب؛ تحت الجلد الأبيض الناعم والمنفوخ هناك تجاعيد تهدد بفضحها في أول فرصة غفلة منها، لأن زوجها متعلق بجمالها فقط، فإذا رحل عنها سيفارقها معه، وهي دونه لا حياة لها......
في دوامة الهلاك بلغ الاحتضار أوجه، والمنتظر لم يف بوعده العاشر بعد كمْ؟! لم تعد تقوى على التقاط أنفاسها، فكيف ستعد مرات النكث، يبدو أنّ الهجرة قد حولته من أمين إلى عرقوب.......، وهو أخيرا تغلب على قوة الرياح، صارخا بقوة عندما حدّق في المسافة المتبقية بينه وبينها( مترا ونصف)، ولمّا خانته قدماه من شدة شوقه ولهفته، أكملها حبوا.....، دفع الباب ليجد الموت سبقه إليها..........، أطلق صرخة قوية، وغمر جثتها بوابل من الدموع المشفوعة بالاعتذار بعد ماذا؟! بعد فوات الأوان...........، فأحرق المنزل الذي بسبب ثمن أجرته تغرب عنها، وتركها للمعاناة، تنفرد بها وتفترس براءة إقبالها على الحياة ببساطة، ثم غادر نحو المجهول.........
بعد مضي نصف ساعة نجح العمال في مهمتهم وغادروا، فتسللت من شقتها تحمل حلمها الغض الطري ملفوفا بآخر ذكرى لها من زوجها، وألقته في صندوق ذكرياتها بعدما قبلته قائلة:" بلغ سلامي للغالي، أعلمه أنني سأجتمع به قريبا......."، وهي تمضي في طريقها بخطى متبعثرة، قد أذهبت المسغبة انتظامها اصطدمت به فأوقعته أرضا واستمرت في سيرها بلا وعي ولا إدراك، بكى لما استحضر في مخيلته كيف التقى بفقيدته للمرة الأولى، نظر إلى المرأة وألقى تساؤلا بدا وكأنه يمهد له السبيل إليها:" كأنني فقدتها قبل لحظات لتعود لي الآن، هل سأضيع الفرصة المتاحة لي فيها؟!"، وانطلق في اقتفاء أثر طيفها......."
عند حافة الجبل خاطب الأمواج الثائرة وهو مهتز الجنان:
ماذا أفعل وأنتِ وطني، وأنا عاشق متشبع ب" يموت الرجال ويحيا الوطن"، فلم خنت مواطنك الوحيد، الذي باع الكل ليشتري بعضا منك، فرحلت أنت ببعضك وأخذت مني بقوة حبك لي كلي"، وهم برمي نفسه حتى انقض عليه أمين في آخر لحظة وأنقذه قائلا له:" أفقدتّ أمك، أو زوجتك؟!، لاعليك الحياة لا تتوقف على أحد، وكلنا قد عانت مرمانا من الأهداف المقصية المسجلة عليها من الحياة....، ولو لم يقسم الشقاء علينا لما كانت هناك أخوة، ومواساة، وصداقة، وتضامن وعزاء.."_ بالأمس فقط فقدت زوجتي، وأحرقت جثتها أتعلم لم؟!، لأنني لم أتحمل دفنها في قبر، فأموت ببطء كلما زرتها، بل خلدتها حية في قلبي، بعدما تخلصت من جثتها"، استغرب ذلك الرجل حديثه، وتذكر معاناة زوجته من الآثار الجانبية لبعض مستحضرات التجميل، كانت حريصة على التزين له حتى لا يرى غيرها في الحياة، فرمت بنفسها إلى التهلكة، وحملته ضريبة ذنبها الثقيل، الثقيل جدا.........
أناستاسيا آمال
تعليقات
إرسال تعليق