بريق
قصة ~ بريق
الكاتب ~ محمد كامل حامد ~ يكتب..
~~~~~~~~~~~~~~~~~
بريق
تقف على قدميها طوال النهار، تنكب على أعمال المنزل التي لا تنتهي، تشرف وتتابع دروس أطفالها، يكاد عقلها ينفجر من الصداع الملازم لها، في نهاية اليوم يرقد الأطفال ، تخلع ثوبها وتستحم وتقذف بالعطر المثير على جسدها الأبيض اليانع، تقف أمام المرآة تصفف شعرها المسترسل، تحتسي فنجانًا من القهوة التركية، تلمح ثلاث شعرات بيضاء عند مفرق شعرها.
يتعكر صفو مزاجها، يصيبها الإحباط وخيبة الأمل ، تدقق وتعيد النظر مرات متكررة، وفى كل مرة تنتصب الشعرات البيضاء أمام عينيها، تقف عاجزة عن الحركة، تحاول أن
تعاود نشاطها دون فائدة تتداهمها الخيالات فلا تقوى على الفكاك منها، فتشعر بدنو الأجل.
على الفور تبدل ملابسها ، ترتدي ثيابًا فضفاضة تخفي بها عبث الزمن بها، تحول شوقها لعودته سكينا يشق صدرها، وضعت كفها تتلمس وجهها، طغت التجاعيد على صفحة وجهها، احتوتها الحسرة على أيام رحلت دون أن تشعر بها.
انسابت الدموع على وجنتيها، حدثت نفسها بلوم وشفقة، فالشعرات الثلاث تغزو جسدها بأكمله، أفقدتها شبابها ونضارتها، تقطعت أنفاسها، دارت فى رأسها أسئلة حائرة، كيف ستواجهه وتثير اهتمامه كما كانت تفعل دائمًا، تراه يطل عليها متفحصًاوجهها وشعرها، يحدق في شعراتها المقيتة، يحملق فى التجاعيد التى كست وجهها، ينفر منها ويصيبه الاشمئزاز من رؤيتها، تنطفئ نظراتها الحالمة،
ينكسر بداخلها صوتها المتألق، يحيلها إلى قطعة أثاث داخل البيت، يتخلص منها متى شاء وكيفما شاء.
التقطت المقص من فوق المنضدة، قصفت الشعرات البيضاء بطريقة احترافية، تنفست الصعداء، سكنت نفسها الهائجة، ولكن قبل أن تدير رأسها لاحظت وجود شعرات بيضاء أخرى تغزوها، انتفض جسدها وغابت عن الوعي، احتوى الحزن كيانها المنكسر، ألقت بجسدها على مقعدها الوثير، وعجزت أطرافها عن الحركة.
محمد كامل حامد
تعليقات
إرسال تعليق