الكلب العاشق
قصة ~ الكلب العاشق
الكاتب ~ _عزيز جيهان~ يكتب..
~~~~~~~~~~~~~~~
الكلب العاشق
فأنا رجل متقاعد، توفيت زوجتي التي لم أنجب منها أولادا. كل ما أملك من حطام الدنيا بيتا صغيرا، انتهيت من تسديد أقساطه، قبل حصولي على التقاعد بسنة واحدة. لدي كلب اشتريته، حتى يساعدني على تبديد وحدتي في البيت، الذي أصبحت وحدتي فيه لا تطاق. كانت زوجتي سيدة لطيفة وصبورة معي. خاصة حين اكتشفنا أن سبب عدم تمكننا من الخلفة مصدره أنا.
كانت فاطمة زوجتي وابنتي وأختي ، وكل أهلي. لذا كان وقع رحيلها علي قاسيا قسوة لا تطاق. ولولا ذلك الكلب الذي اقتنيته، ليجعلني أشعر بأنني لا زلت على قيد الحياة، لكنت أصبت بالجنون، و ربما أقدمت على الانتحار.
هذا الحيوان الأليف الذي جئت به لينقذني من وحدتي، والذي كان يقوم بدوره على أحسن وجه، بحيث كان يعاملني بإنسانية قل نظيرها عند البشر. بدوري كنت أعامله معاملة بمقامه كحيوان يستحق مني كل التقدير والاحترام. ولأكون منصفا أيضا، لم أكن أعامله بقسوة او إهمال تهين كلبيته. كنت أنظر إليه كرفيق لي بالمعنى الاجتماعي والإنساني. خصصت له أريكة مقابلة لأريكتي. نتناول وجبة الفطور وباقي الوجبات الأخرى سويا. نقوم بجولتنا الصباحية معا، وحين نعود، نستحم معا. أنشفه، ثم أنشف جسدي. أعد وجبة الفطور لنا معا، ونجلس على الأريكتين حول الطاولة. أقدم له صحن فطوره. وأتناول فطوري، وأنا أنظر إليه بحب. وكثيرا ، ما فتحت معه موضوع نقاش، حول الطقس، وحول ما سأقوم به في ذلك اليوم، بل وكنت أحدثه حتى عن الانتخابات ومختلف القضايا السياسية، دون ان أنسى المجال الثقافي. كنت كلما قرأت كتابا أناقشه في مضمونه، أتخيل أجوبته، وأرد عليها بإسهاب. كان الكلب ينصت إلي بهدوء وإصغاء لا يتأتى حتى لأكثر المثقفين رصانة.
علاقتي بالمرحومة زوجتي، كانت متكافئة في كل شيء ، إلا في ما يتعلق بالكتب، فقد كانت تكرهها، ولا تستسيغ كل الوقت، الذي اقتطعه من اهتمامي بها، لأخصصه للقراءة. كانت تغير من كتبي ، وكانت تقول لزوارنا مبتسمة، حين يرون يشيدون بكثرة كتبي :
-أنهم ضرتي التي لا حول ولا قوة لي إزاءها.
كلبي، لم يكن يعترض على تلك الساعات التي كنت أقضيها في القراءة. كان يجلس أمامي على أريكته. يتأملني بهدوء، كأنه يتأمل أنسانا عجيبا في طور الانقراض. إنسانا لا زال يؤمن بجدوى الكتب في زمن الكل يؤمن بجدوى الهاتف النقال، وتطبيقاته الكثيرة، من وات ساب ، تيك توك ، وانستغرام...إلخ.
سارت علاقتنا أنا والكلب الذي أطلقت، دون أن أعرف لماذا، اسم "تاتو"، على أحسن ما يرام، إلى أن اقتنى جاري كلبة، قدمها هدية لزوجته. منذ أن لمح كلبي كلبة جاري، تغير حاله، ولم يعد يتحلى بذلك الهدوء والرصانة ورجاحة العقل التي كانت تميزه. أصبح نزقا، ويحاول الخروج لأتفه الأسباب، وكلما وجد الباب مغلقا، يأتي إلي ويجرني من ردن سروالي نحو الباب يطلب مني أن أفتحه.
لم أفهم سر هذا العشق من أول نظرة، والأدهى من ذلك كله أن كلبة جاري لم تكن تقل رغبة في رؤية رفيقي. أخبرني بذلك جاري، ولمته صراحة لأنه جاء بهذه الأنثى، لتعكر صفو حياتي مع كلبي. سألته لم يقتني كلبا،أكد لي أن زوجته أصرت على أن آتيها بكلبة.
اتفقنا أن نمنع العاشقين من رؤية بعضهما. نعم كنا قساة، فحرمان العشاق من اللقاء جريمة. لكننا كنا مرغمين على هكذا تصرف. وضعنا جدولة زمنية لإخراج أي منهما للتنزه . نجحت الخطة لمدة أسبوع، لكن في اليوم الثامن استيقظت من نومي على طرق قوي على الباب. نهضت متثائبا وأنا أتساءل من الذي جاء يزعجني في مثل هذا الوقت المبكر.فتحت الباب. فوجئت بجاري أمامي. ودون أن يلقي التحية الصباحية، سألني إن كانت كلبته في بيتي. أجبت بالنفي. طلب مني أن أتأكد. بحثت، لكنني لم أعثر لا على كلبته ولا على كلبي . عدت إليه .قلت:
-كلبي أيضا اختفى.
-هل تظن إنهما غادرا معا .
أجبت بثقة تامة :
-لا .لا يمكن أن يهجرني كلبي من أجل كلبة، مهما كان مغرما به.
انتظرت أن يعود كلبي. لكنه لم يظهر له ولا لكلبة جاري أثر. اقتنعنا بعد ثلاثة أيام من البحث المضني، أن العاشقين غادرا إلى حيث لن نعثر عليهما أبدا.
-_عزيز جيهان
تعليقات
إرسال تعليق