جوّالون
قصة ~ جوّالون
الكاتب ~ بدر الدين تلجبيني ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~
جوّالون ..
من قديم مدينة أعزاز ، وفي أواخرالخمسينات من القرن الماضي وفي كل عام حين كان يقدُمُ شهر أيار ينحسر الشتاءُ القاتم ويقبل الربيعُ الحالم ، فتمتليء الشوارع بالباعة الجوّالين غادين رائحين ، ولأصواتهم جرسٌ ورنين ، فتسمع في الصباح الباكر أصوات بائعي الحليب الطازج ينادون : ( حلوب يا حليب ) ويكيلون الحليب بكيلة معدنية . وبائعوا البوظه ذات العود الخشبي من الشباب واليافعين يبكّرون في استلام مخصصاتهم من قطع البوظه من معملين في المدينة ، معمل بوظه ( الدنيا ) لصاحبه الفلسطيني ( أبو أمينه ) مكان الساعاتي ( مصطفى عيدو) و معمل ( بوظه حلب ) لصاحبه المدعو ( خليل شبك ) فيتسلمون قطعاً من البوظة من شتى الألوان والطعوم من ( ليمون وكرز وشوكولا وحليب وطعم الورد وطعم الموز ) ، وكان ثمن قطعة البوظه وتدعى ( النبيله ) بخمسة قروش ، واسم ( نبيل ) جاء من اسم ماركة بوظه مشهورة في ذلك الحين كان اسمها (بوظه النبيل ) و هناك قطعة أكبر واطيب طعماً ثمنها عشرة قروش تسمى ( نبيل استيك ) فيحمل البائعون صناديقهم الخشبية الصغيرة على اكتافهم وينطلقون في الشوارع منادين ( من جميع الأشكال يالله نبيل ، نبيل نبيل ) وكثيرا ما كانوا يخرجون إلى القرى القريبة ( نده - كفر كلبين - معرين ) حيث البوظة مرغوبة هناك بسبب عدم وجود الكهرباء في القرى بعد ، وثمن القطعة خمسة قروش أو بيضة دجاج ، وترى في شوارع المدينة أيضاً بائع ( البشره بوظ ) دافعاً أمامه عربته الخشبية وفوقها زجاجات مليئة بشرابات ملونة من أصفر ووردي واحمر ، ونصف لوح من الجليد وعدة كاسات كبيرة ، وآلة حديدية مجوّفة تدعى ( البشّارة ) يحفّها البائع بالقالب الجليدي فتمتليء بالجليد الناعم المبشور ويفرغ محتواها في الكأس ويصب فوقه قطرات من الشرابات الملونة فيصبح للجليد في الكأس ألوانٌ ساحرةٌ تغرف قلوب الأطفال العطشى . وبائع ( الآيس كريم ) يدفع عربته أمامه مناديا ( داندرمااا ) ليِّنة القوام شهية الطعم تشعرك بطعم القيمق صنعها بيده في المنزل ، وباعة الشرابات من ( الليمون والتمر الهندي ) من صنع الحاج زكور ناصر و( السوس ) البارد المضمخ بماء الزهر صنع السواس أبو صباح ، وترى ايضا بائع ( الفرفيرات ) التي يصنعها من الورق الملون ويربطها بعود خشبي فعندما يلامسها الهواء تدور فتسحر أعين الأطفال ، ويمربائع( المنفوشه ) يحملها في سلّة كبيرة من القصب ويزن للأطفال( بالكيلة ) المعدنية وكل كيلة ثمنها خمسة قروش ، وبائع ( المعلل ) وهو سكر مذاب ملون بألوان حمراء وبيضاء يذوَّب ثم يجمَّد ويُحمل على أعوادخشبية ينادي عليها البائع ( معلل يا مدلل )
، وترى أيضاً باعة ( غزل البنات ) بلونه الزهري ، وبائعوا الفواكه الربيعية من ( الجارنك ) الى ( الإيكي دنيا ) يحملونها على الدواب معبّأة في شليف من القنّب ، وبائع الخس بعربته التي يجرها بغل وينادي : ( كبار يا خسّات .!! )
وبائعو الحلويات التي ما زالت مستساغة في شهر ايار من ( الشعيبيات ) التي يضعها ( أبناء الحاج قدور ناصر ) يضعها البائع في صينية يحملها على رأسه ويحمل كرسيا عاليا مدور يضع عليه الصينية ، وبائع ( النموره ) ( موسى كردي ابو علي ) يصنعها بيده من السميد والسمن والقطر وينادي عليها : ( طيبه يابو النموره ..النموره والأموره !! ) وكان يعسكر في اماكن الإزدحام وأمام المدارس اثناء انصراف الطلبة ، وبائع (المشبّك ) يحمل صينية على رأسه منادياً : ( مشبّك وناهي طيب وناهي ) ، وبائع ( الكسيبه ) بالحلاوة الطحينية أيضاً وباعة آخرون .
ايامٌ جميلةٌ غابت عن أنظارنا ...
ونداءات جميلة غاب جرسها عن أسماعنا ...
وأكلات لذيذة كانت تتحلّب لذكرها افواهنا
اللهم من علينا بالبهجةوالإطمئنان وأصلح لنا أحوالنا .
بدر الدين تلجبيني
تعليقات
إرسال تعليق