ليلة زفاف ساخنة جدًا
قصة ~ ليلة زفاف ساخنة جدًا
الكاتب ~ محمود روبي ~ يكتب..
~~~~~~~~~~~~~~~
(ليلة زفاف ساخنة جدًا)
في ساعة متأخرة من الليل، استيقظتُ على غير العادة.. أفزعني ما رأيت، وحاولت أن أزحف نحو الباب.. ولما فشلتُ، جذبتُ جُثتي -وكانت هائلة- ثم دفعت بها إلى مرقدها..
كان غريبًا أن تقذفني غفوةٌ في بئرٍ عميقةٍ من النسيان.. اعتصرتُ ذاكرتي بعنف حتى تسرَّب منها بقايا لثورة بركان كُنتُ أظنه خامدًا، لكنه انفجر ليلتها في وجهي:
-مللتُ دور الوليمة لجائع بلا أسنان!
ويبدو أن صاحبتي قد صنعتْ ما شاءت في غفوتي: فراشٌ أنيق تفوح منه رائحة عروس، كشَّافان كبيران يتبادلان سويًا ألوان الطيف الزاهية، وجبة باذخة فوق قرص منضدة.. كل شئ هناك حمل بصماتها الحادة..
عجزتُ أن أمُط جسدي أو أتسرَّب إلى خارج تلك العلبة الفاخرة؛ استسلمتُ للنوم كعادتي وتبيَّنَ أن هناك من رمى بجُثتي بعيدًا..
همسَتْ، فاستيقظْتُ.. تلك المرة لفتاةٍ رقيقة بوجهٍ بشوش، كانت تعبث برفقٍ إلى جواري.. تُعيد رصّ الأشياء وترتيبها فوق الطاولات ثم تطلق ابتسامة هادئة وتخرج.. كنَّا أقرب إلى جُثث لكننا نتنفسُ على أسرَّة متجاورة.. لا ننتظر أو نبتغي شيئاً سوى شعاعها الدافئ الذي يطل علينا في الصباح..
حين تلتفت إليًّ الفتاة؛ أتذكر صغاري. وعليّ أن أقر بأنها أسرع العاملات تلبيةً للنداءات وأكثرهن تحمُلا لضغط رعايتنا الهائل..
تَحل الكآبة في غيابها: يتسرب الدفء منَّا، ينكمش عنبرنا ويتحول إلى ما يشبه مقبرة، وأُصبِح أنا مرتعًا سائغًا لنوبات الماضي.. تتزاحم الحكايات حتى أكتظ؛ فأشق رأسي أمام الموتى هنا وأهذي بما جرى ليلةَ رأيت صاحبتي لأول مرة:
فاتنةٌ فائرة تلتفُ بذراعين مفتولتين.. تُتقنُ الرقص حد البراعة.. لكن نشبت الفوضى، وتشابكتْ حشودٌ ثائرة من السيقان تحت وابل مجنون من الرصاص.. وعلى حين غفلة؛ تساقطت الذراعان واحدة، فالأخرى وحل الصمت.. لا شئ كان يهمس، حتى السيقان تجمدت على تشابكها..
المشهد كان قاسيًا: جسدٌ يقطر دماً.. عينان تزيغان.. وجهٌ يشحُب!
-الرصاصةُ تمكنت من قلبه! همسَ طبيب..
انفجر الصراخ، وانسكب السَّوادُ من عينيّ صاحبتي..
تلطخ فستانُها الأبيض..
محمود روبي
تعليقات
إرسال تعليق