الرحلة الأخيرة



 قصة ~ الرحلة الأخيرة

الكاتبة ~ رومي الريس ~ تكتب...

~~~~~~~~~~~~~~~

 الرحلة الأخيرة 

أخيراً يعود إلى مسقط 

رأسه بعد سنوات طويلة من الغربة 

منذ كان شاباً في أواخر العشرينات

حين خرج متوجها إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه

 شاب طموح ولديه أحلام كبيرة 

يريد أن يحققها

حين كان يتحدث مع علام زميله في الجامعة

عن حلمه بالسفر إلى الخارج والعمل بإحدى الجامعات المعروفة في ألمانيا

تلمع عيناه أثناء حديثه كنجمتين مضيئتين في ليلة حالكة السواد 

و يكاد أن يحلق في السماء من السعادة 

لم يصدق نفسه حين استدعاه رئيس القسم لإخباره باختياره للسفر لكن وقع الخبر كان مختلفاً على أمه حيث 

استقبلت الخبر بالدموع

الحارة فهو وحيدها وقرة عينيها

وقالت له بصوت متهدج :

كيف أعيش بدونك يا قرة عيني ؟

لن أستطيع

إذا فارقتني

فارقت روحي جسدي

فأنت لي الروح 

قبل يدها احتضنها بقوة 

 وبكي متأثراً بكلامها وقال لها وهو ينظر إلى عينيها :

سأعود إليك بعد حصولي على الدكتوراه

أعدك بذلك فأنا أيضا

لا أستطيع أن أعيش بدونك يا أمي 

وحين غادر أرض الوطن متوجهاً إلى ألمانيا

شعر كأنه طفل صغير

يبتعد لأول مرة عن حضن أمه

بكي كما لم يفعل من قبل حتى ذبلت عيناه

لكنه هدأ حين تذكر حلمه الجميل الذي طالما داعب خياله

وهناك في بلاد الغربة عاش أياما صعبة وذاق طعم الحرمان لكنه تحمل وصبر وحفر في الصخر حيث عمل بأحد المطاعم ليلاً وفي النهار

يذهب إلى الجامعة من أجل رسالته وواصل الكفاح حتى حصل على الدكتوراه بامتياز

وعين بإحدى الجامعات في ألمانيا 

كانت رسائل والدته تكتب بدموع عينيها تتوسل إليه وتستجديه أن يعود

فهي تشعر بدنو الأجل

لا تقولي هذا يا أمي

أنت بخير 

سوف تعيشى حتى يولد

أحفادك 

 لكن انغماسه في عمله

جعله لا يفكر في أي شيء آخر  حتى أمه التي وهبته الحياة بعد الله سبحانه وتعالى 

إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم حين وصلته رسالة من عمه يخبره

بوفاتها وهي تردد اسمه على لسانها حتى فارقت روحها جسدها النحيل الذي صار مثل شجرة جفت أوراقها حزنا على ولدها العاق 

أصيب بحالة صدمة

لم يصدق أنها قد ماتت

ودفنت دون أن يودعها 

ويراها للمرة الأخيرة 

أصيب بانهيار عصبي

وظل طريح الفراش لوقت طويل

وبعد تماثله للشفاء دخل في حالة اكتئاب شديد

ولولا وجود لينا صديقته في العمل إلى جواره لكان على شفير الانتحار

وبعد شفائه من مرضه

عرض عليها الزواج

ووافقت

ظن أن سعادته قد اكتملت 

عاشا معها أجمل أيام حياته وأنه وجد نصفه الثاني الذي كان يبحث عنه 

ولكنه سعادته لم تكتمل حيث أنه لم يرزق منها بأولاد

فقد كانت عقيما

لكن حبه لها جعله يتغاضى عن أي شيء

ومضت سفينة الحياة

إلى أن جاء يوم

كان فيه عائدا من عمله مبكراً عن موعده المعتاد لشعور مفاجئ بالتعب أصابه 

وحين دخل إلى المنزل

سمع صوت همهمات وضحكات عالية 

من حجرة النوم

حين اقترب سمع 

 صوت زوجته وصوت رجل غريب معها 

اشتعلت النيران في قلبه

وجن جنونه

سارع بالذهاب إلى حجرة النوم

فوجدها بين أحضان عشيقها

وحين رأته عقدت الدهشة لسانها تجمدت في مكانها 

فكر في قتلها لكنه 

تمالك نفسه وقرر أن يتصرف بحكمة حتى لا يخسر مستقبله

طلقها بكل هدوء وغادرت حياته للأبد 

وواصل حياته و كأن شيئاً لم يكن 

لقد طوى هذه الصفحة كأنها لم تكن

وقرر عدم الزواج مرة أخرى 

لقد فقد الثقة في نفسه وفي كل بنات حواء 

 لكن هذا الحادث الأليم ترك أثراً كبيراً في نفسه

وتدهورت حالته الصحية واكتشف  إصابته بالداء اللعين

الذي نخر عظامه وتسلل حتى نخاعه 

حاول التماسك وطلب العلاج

لكن الطبيب بعد مرور عدة شهور أخبره أن الحالة ميؤوس منها

ولا تستجيب للعلاج

هنا قرر العودة إلى مسقط رأسه حتى يدفن

بأرضه 

 وأرض  آبائه وأجداده 

و تستريح عظامه المتعبة

بعد وصوله إلى أرض الوطن 

استقل القطار المتجه جنوباً 

 ومع تحرك القطار

مر في ذهنه شريط الذكريات بسرعة خاطفة 

وجه أبيه الضاحك

ووجه أمه الذي يشع نوراً و يبعث السكينة والطمأنينة في القلب 

وحين رآها ابتسم لها

و أسند رأسه إلى نافذة القطار و أسلم الروح بسلام 

بقلمي رومي الريس 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع