ويشهد القمر !



 قصة ~ ويشهد  القمر  !

الكاتب ~ د . عمر لشكر ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~

ويشهد  القمر  !

الفصل الثالث .


دعوت المدير والأستاذ أحمد للغداء ، فاعتذر المدير بلطف وانصرف بعد أن دعا لنا بالتوفيق وحسن الانسجام .

ولو استجاب للدعوة لفضحت ووقع الحرج  ، لأن ما أعددته للغداء لا يصلح طعاما للقرى وحسن الضيافة .

عدس يابس وبصيلات مقطعة بلا خبز .

وأين الخبز في هذا الجبل البعيد ؟

أين الأسواق والمحلات التجارية  و " الفرارين " ؟

طبق من عدس يبلع بلا مضغ لإسكات فورة الجوع ، وهو طبق لا يمكن تصنيفه إلا من أطعمة الفقر والمجاعة والبؤس .

هو في تاريخه قديم  ، ورد ذكره في المصادر التاريخية منذ عصور ما قبل التاريخ .

عرف عند الفراعنة ، وذكر في الكتب السماوية المقدسة كما في سورة البقرة من القرآن .

هو لحم الفقراء عند معظم الشعوب ...

ساعدت الأستاذ أحمد على إدخال أمتعته إلى البيت الذي أسكنه بجوار القسمين الذين تتكون منهما المدرسة .

هيأت له فراشا للنوم والاستراحة مما توفر عندي من حصير وأغطية ، ثم تقاسمنا ذلك الطبق من العدس الأسود اليابس .

في الثانية بعد الظهر ، التحقت بالقسم وتركت الأستاذ أحمد لينعم بشيء من الراحة ، فقد نال منه التعب ، وأرهقه المشي ، وعانى من مشقة التنقل والسفر ...

وما أن خرجت من البيت حتى أتاني تلميذ برقعة  من ثوب نظيف وجدت بداخله خبزة كبيرة من قمح وشعير  كلفته والدته بتسليمها للمعلم .

وكم كانت فرحتي وأنا أتوصل بهذه الهدية التي لا تقدر بثمن !

 رزق عظيم  ساقه الله لنا من غير طلب ولا سبب ولا انتظار ولا حساب .

شكرت التلميذ ودعوت لوالدته بالخير والقبول ، وتمنيت ألا يقع منها  هذا الإكرام مرة واحدة  فقط كبيضة الديك .

في الخامسة انتهت حصة المساء .

عدت إلى البيت فوجدت الأستاذ أحمد يرتب عالمه ، ويسوي فراشه وأمتعته ، تبدو عليه علامات الرضى وأمارات التكيف والقبول .

أحضرت الأواني لإعداد الشاي أو الأتاي الأخضر على الطريقة الأمازيغية التقليدية .

بدأ الماء يغلي مرسلا بخاره في جو البيت ، ووضعت كمشة من أوراق الشاي في " البراد " ، ولم تمض إلا لحظات حتى غمرت رائحة الشاي والنعناع اليابس فضاء المدرسة .

رشفة بعد رشفة ، وبين كل رشفة ورشفة يغمض  الأستاذ أحمد عينيه بضغط شديد كأنه لا يستسيغ  مرارة الأتاي .

علمت فيما بعد أن الرجل يعاني من قرحة في المعدة لا تتحمل هذا المشروب إلا إذا كان خفيفا يقرب من الماء الساخن المحلى بالسكر .

وأنا لا أشربه إلا إذا كان " مشحرا " على الجمر ، داكنا ، مرا ، قاطعا ، تعلوه رغوة ناصعة مثيرة على طريقة أهل الصحراء .

من هنا بدأ الاختلاف في الأذواق ، ولا أدري إن كان هناك ذوق في المطعومات والمشروبات يجمعنا .

على أية حال ، لا توجد أمامنا اختيارات كثيرة ، فسلطة الواقع فوق الأذواق الخاصة .

لا بد إذن من التعود على إرادة ما لا نريد .

تتبع

الدكتور عمر لشكر

يونيو    ٢٠٢٢  . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع