ويشهد القمر !
قصة ~ ويشهد القمر !
الكاتب ~ عمر لشكر ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~
ويشهد القمر !
الفصل الثاني .
ليس من حظ هذه المدرسة المعلقة في الجبل أن تزار .
وليس من عادة أهل هذا البلد ربط التواصل مع المعلم وتتبع أحوال المدرسة والمدرس والتلاميذ .
لقد غلبت الأمية على الجميع ، وأكثر السكان يشعرون بالكراهية الشديدة لهذه البناية الشيطانية التي تفسد أبناءهم ، تارة يصرحون بها ، وتارة يضمرون ما يحسون به من مشاعر سلبية إزاء كل ما هو تعليمي وتثقيفي عصري .
وربما سمعوا هنا أو هناك بعض الفتاوى المتخلفة من أنصاف الفقهاء تحرم التعليم العصري ، وتعتبره مدخلا للضياع والفساد باعتبار مصدره النصراني والاستعماري .
وهذه الكراهية تمتد إلى المعلم ، فقليلون جدا من ينظرون إليه بشيء من المودة والقبول .
ولولا أن التعليم كان إجباريا بحكم القانون ، وكانت السلطة الإدارية والقيادية صارمة في تنفيذه ، لصارت المدرسة خلاء فارغا تنعق فيه الغربان .
فكم من أب قدم رشاوي لأجل إعفاء أولاده من الدراسة !
وكم من أب فضل السجن والأعمال الشاقة على تسجيل أولاده في المدرسة !
آه ، كم عانيت لأجل الاحتفاظ بهذا العدد القليل من التلاميذ إلى نهاية السنة !
كم من عذر سمعت ، وكم من سبب ، وكم من تبرير ، وكم من سب ووشاية وكذب وقذف ...!
إنها الأمية إذا تحكمت في العقول جعلتها أقسى من الصخر والحجر ...
لذلك ، لما رأيت دخول الشخصين إلى ساحة المدرسة ، حسبت ذلك حدثا نادرا يستحق الاهتمام .
أما أحدهما فقد عرفت من صلعته ، ولمعان وجهه ، وضخامة بطنه ، وفخامة لباسه ، أنه مدير مجموعة مدارس ابن رشد التي تنتمي إليها هذه الفرعية .
أما الآخر ، فلا أعرفه .
هو رجل كهل ، بملامح لا تشبه ملامح أهل البلد ، ممتد القامة ، نحيف جدا ، برأس صغير ووجه طويل ، بدأت شعيرات من الشيب تغزو رأسه ، يبدو عليه العياء من شدة المشي والصعود والتسلق وما حمل على ظهره من أكياس لا أدري ما فيها .
وقف متململا يستند إلى شجرة وسط الساحة لاسترجاع الأنفاس .
خرجت إليهما ، وما أن سلمت على المدير حتى بادرني بالقول مبشرا :
- أقدم لك الأستاذ أحمد ريان ، تعين حديثا في مجموعتنا ، وهو شاعر وأديب وكاتب ، أضمن لك به المساعدة والإمتاع والمؤانسة .
قال هذا ، ومرر منشفة على جبينه الذي ما زال يتصبب عرقا على الرغم من شدة الرياح الموسمية .
رحبت بالأستاذ ترحيبا يليق بمقامه ، ولست أدري كيف أعبر عن فرحتي بهذا التعيين .
لم أجد الكلمات المناسبة ، واكتفيت بما تيسر من عبارات المجاملة وحسن الضيافة .
سلمت على الأستاذ أحمد بحرارة ، وأنشد لنا على التو :
فأجهشت " لأدرار " حين رأيته وكبر للرحمان حين رآني
فقلت له حييت من جبل وقال مرحبا بالقاصي والداني
وزدت له أين الذين عهدتهم حواليك في عيش منذ زمان
فقال مضوا واستودعوني ديارهم ومن ذا الذي يبقى على الحدثان ...
لقد بدأنا اللقاء بالشعر ، وفي أثناء الإنشاد لاحظت أن الأستاذ أحمد ألثغ ، يصاحب صوته صفير يخرج من موضع ثناياه المنزوعة .
وقبل النطق في بداية كل بيت ، يكثر من التنحنح ، والتلجلج ، ويبالغ في مسح رأسه كأنه يعاني صعوبة في الكلام ، أو ضيقا في التنفس ، أو مجرد تردد وخجل ...
تتبع .
الدكتور عمر لشكر
يونيو ٢٠٢٢ .
تعليقات
إرسال تعليق