*** أخْبِرْنــِي ***
الأديبة / حورية ميلك / تكتب
أخْبِرْنــِي
قصة قصيرة
لم تمنحها الظروف وقتا للتريث والعدول عن قرارها ... سارعت في احتضان ولديها والخروج من بين انقاض الوطن ، التي خلفتها يد البشر ، لاشيء معها إلا دمع ينسكب كلما نظرت حولها ، بين سيارات اكلتها النيران وارصفة مهترءة وجدران مهدمة ، متذكرة رفيق دربها الذي أغتالته الظروف ، تاركا وراءه أرملة وطفلين ضعيفين ، تحميهما يد الله؛ وجهتها مجهولة بردائها الرث ونعلها الذي تقصف به حُصيات الارض والاوحال ، ... تمد في خطواتها علها تدرك مأوا مؤقتا قبل حلول الظلام، وصغيريها .... ؛
أمي أنا جائع ، ماما البرد قارس ، سكاكين تشق صدرها فيفيض دمعها حنانا وترسم ابتسامة مزيفة .. تريح نظرات صغيريها ، قريبا سنصل ذاك الجبل إن شاء الله ، أذكر أن فيه كوخ صغير سيأوينا ، لقد زرته ذات يوم مع جدكما في نزهة ...، وقتها كان الأمن والآمان حديث نفسها ، تمتمت .
هل حقا لازال الكوخ ..؟! أم أنه أصبح من الماضي وأيام الزمن الجميل ، ادركها الظلام ولم تصل .. وربما لن تصل أبدا فقد تغيرت معالم الطريق إلى الجبل ، والهم الذي يعتريها مسح ذاكرتها السعيدة وحلت محلها ذاكرة الأحزان .
جلست بين صخرتين كبيرتين تحتمي من كل شيء كانت أمانيها ... ، المهم صغارها ، اخرجت رغيف الخبز اليتيم الذي دسته في اثوابها اٰعطت نصفه لصغيريها وزجاجة ماء نصفها فارغ ، وخبأت النصف ليوم آخر . فرح الصغيرين بكاتم صيصان بطنهما ولو لليلة ، رفعت رأسها إلى السماء رباه ليس لي ملجأ سواك فأعني رحماك يارب . نظرت من حولها كل شيء موحش وبدأ الخوف يتسلل إلى قلبها .
تذكرت زوجها وماكتبت عنه ، حتى تتسلى كأنها حكاية قبل النوم لطفليها ،ولها .
قالت :
إلى متى سيبقى طيفك
يرافقني أينما حللت
كل الدروب فيها أنت
تسري في عروقي كما الدم
تتولد طاقة في جسدي
كلما مررت على الاماكن
التي جمعتنا ذات يوم
تملأ روحي بتوأمة غريبة
بأصوات مهيبة
لست بخير أشعر بالضياع
طيفك يلفني يضمني بقوة
وأعود مساء لغرفتي أبكيك بحرقة
وأنام حتى ألقاك
وأتمنى أن تكون نومتي الأخيرة
وهناك ألقاك أين رحلت
قاطعها طفلها ، ماما من هذا الذين تردين الرحيل إليه في نومك ...؟! ابتسمت لذكاء صغيرها وقالت : أنه ملاك الرحمة الذي سينقذنا من الضياع ياصغيري
قال : ماما أنا كذلك أريد أن أنام حتى ألقاه ونكون كلنا معا
شدها أبنها الثاني ماما كيف كنتِ تعشين مع جدي وجدتي
احكي لنا ماما ،
فقالت:
في بيت سقفه قصب
والحطان من حجر وطين
بابه خشب بلا مفاتيح
والسهر فيه على ضوء القناديل
بعد العِشاء نفترق لنستريح
وأبي قائم يصلي ليلا
استيقظ على صوت الجدة بالتسابيح
وأمي ُتعِد الفطور حليب وخبز شعير
نلتف حول الموقد ضحكاً وترويح
ننسى الهم ويُشفى القلب العليل
الحب يجمعنا والروح به تستريح
التضامن من شيمنا والبيت الاصيل
دون الاخوة ليس لنا مديح
اذا جار علينا الزمن نسهر الليل
ما احلى لمّ الشمل كصلاة التراويح
والأن ياصغاري أصبحنا في مهب الريح
ماما نريد أن نكون في بيت جدي وصفه جميل
قالت:
اااه ياصغاري واااه ياوطني
بَعيــدًا عَنــكَ أنَا كَسيــرةَ الجَنـَـاح
يَتَمَوَّجـُـني الألـَـم تَلُفُّنــي الرِّيَّــاح
يَكْسـُـوني بـُـــرْدُ الظـَّـلام
بِرعْشَــةِ بـــَـردِ الصَّبــاح
تَرْسُمُــني تَجاعِيــد الزَّمــن
تُلْبِســني مِــنَ الظُّلــمِ وِشـَــاح
بَعيــدًا عَنـْـكَ أجِــدُني غَرِيبـــةً
كَطَيــرٍ كَثيــرَ الصــِّيَّاح
وَحيــنَ أعـُـودُ إلَيْــكَ ياوطَــنِي
يَرقُــصُ قَلْــبي وَروحِـي تَــرْتاح
يـَـداكَ الطَّاهِرَتَـــان
تُضَمِّــدان مـَا بـِـي مـِنْ جـِـراح
اغْــفُ فِيـكَ طِفْــلاً حَالِـمًا .. بَريـئًا
تُوقِظُــهُ رَائِحَــةُ الأَفْــرَاح
ضُمَّـني أكْثَــرْ بِــدِفْءِ راحَتَيـْـكَ
أخْبِرْنــِي ...........
انتبهت لصغيريها يغطان في النوم يتوسدان فخذيها ومكوران جسديهما كما لو أنهما جنينين في بطنها من جديد باغتها النعاس جالسة
حورية ميلك (الجزائر)
تعليقات
إرسال تعليق