مكر النساء
قصة ~ مكر النساء
الكاتب ~ علي خميس الفردان ~ يكتب ...
~~~~~~~~~~~~~~~~
مكر النساء
دخل البيت متلصصاً. بعد قطيعة عاطفية طويلة. دامت أكثر من ثمانية شهور. منذ أن شعرت زوجته بالضيق من طليقة صديقه. تلك الفتاة الغريبة. ذات القدرة العجيبة على كسب تعاطف الرجال. فرغم غربتها. إلا أنها تخترق القلوب المتعطشة للإطراء والإثارة. وسرعان ما تهيمن على عقل من يتعاطف معها. فينقاد الرجل الشديد مُسلِّماً قياده لفتنتها، دون أن تبدو عليها علامات مكر أو دهاء.. تعدد زيجاتها أكسبها مهارة فائقة ومرونة عاطفية متفردة، لا تتوفر لغيرها.
قبل عام تطلقت. فدخل وسيطاً للإصلاح بينها وبين صديقه. لكنها شبكت قلبه الهش. وشوشت في أذنه. فتزلف لزوجته مستعطفاً أن تشفق عليها فتؤويها قربة لله. استحسنت الشور، فضحّت لأجلها بإحدى غرف أولادها. توثقت بينهما العلاقة فسرّ قلبه. وغدا يعاملهما بنفس المستوى. بالمداعبة والضحك والغمز واللمز.
إلا أنها بعد أن ألفت المكان، واعتادت تجاوز حدود الضيافة والصداقة. انقلبت الصورة، فنشبت الغيرة بينهما. وصارت تتصرف كندٍ لها. تتعدى خطوطها العائلية الحمراء. تخالفها في الرأي وتعترض على أسلوب حياتها. تنعتها بالتخلُّف، وتؤلب زوجها وأولادها عليها. وهي ترقب حالها بقلق وحياء وحيرة. لاحظت أنها تتعمد أن تبدي بعض مفاتنها، تخرج خصلات من شعرها تارة، وجانبا من صدرها أخرى، ليفتتن زوجها وأولادها فيقفون معها. بينما هي تحاول تنبيهها لأفعالها بالإشارات وبالكلمات المواربة. خشية جرح مشاعرها، واحتراما لزوجها. ولكن دون جدوى فقد بلغت بها الجرأة، أن أعربت عن اعجابها بابنها الأكبر ليلة عيد ميلاده، ورغبتها أن ترتبط به.
فاض كيلها فلم تتحمل وجودها أكثر. صارحتها بعدم رغبتها في بقائها. تخاصمتا. فدارت بينهما رحى معركة كلامية. واستنصرت كل منهما بعادل. الزوجة تتهم، واللاجئة الغريبة تدافع وتشكك في صحة كلامها. فاتّهم زوجته بفرط التحسس والمبالغة والغيرة. واعترض على فكرة طردها من البيت. لكنها وقفت في وجهه كاللبؤة تحاصره وتدافع عن عرينها: يا أنا، يا هذه السافلة.. أخرجها من بيتي فورا أو سأرتكب جريمة قتل. سأصرخ وألمّ عليها أهل الحي.
ومنذ أن خرجت مرغمة، ساءت علاقتهما شيئاً فشيئاً. حتى تدثر بالغياب والسهر. وتجلبب بالهجران. دخلت في دوامة من الشكوى والألم والحرمان. انهكها الوجع. فاعتادت التردد على عيادات الاطباء. وأدمنت الأدوية والعقاقير.. لتتمكن من ذوق طعم الرقاد، الذي استعصى، كما استعصت عليها راحة البال. منطوية وحيدة كليمة الفؤاد.
سمعت طرقاً عنيفاً. دخل كأنه تأبط شراً: أريدك في موضوع هام، هي كلمة ورد غطاها.
جلست أمامه في تحدٍ وغضب. نافشةً ريشها: اختصر. وهات من آخر. ليش جاي؟ لا احتمل رؤيتك.. يا ناكر الود. بأي مبرر تهجرني وتحرمني وتقدم خيرك لغيري. كل هذه الشهور يا ظالم. ألم أكن مدللتك؟! هل قصّرت يوماً في حقك؟ عشت معك على الحلوة والمرّة..
قاطعها بطلبه: اسمعيني، هي كلمة واحدة، وبس؟
طيب، هات.. كرّر اسطواناتك المشروخة. كلامك ما عاد له طعم كلام الرجال.
تأفف وصرخ بنفاذ صبر: تسمعيني أو أخرج بلا رجعة.
توقفت عن التهكم، وهي تسدد له سهام نظراتها الملتهبة. فقد استشعرت من نبرته أمراً جللاً. قول ولا تصرخ!
عازم أتزوج!! قالها دفعة واحدة. كأنه يلفظ مضغة دم نتنة من فمه.
ماذا قلت؟! كأني ما سمعت!! وقد تطاير من عينيها قهراً كالشرر، يكفي لتدمير مدينة كهيروشيما بأكملها.
قلت. سأتزوج على سنة الله ورسوله. عندك مانع؟!!
إي عندي مانع!! أكيد عندي!! منذ متى كنت تفكر في الزواج؟ طول عمرك راضي وقانع وبيتوتي. ما الذي غيرك؟ وأنت الذي كنت تقسم بأني أجمل نساء الكون!! وأنك من المستحيل أن تتزوج عليّ؟!! أما كنت تستنكر عندما تسمع أن رجلا تزوج على زوجته، فتصِمه بالخيانة!! ماذا حدا عن ما بدا؟
هذا شرع الله. أنا ما طلبت الحرام. قالها بصوت منخفض، ليتجنب ردود فعلها، التي تعاظمت.
ومن هي طائحة الحظ اللي ستتزوجك، وقد تجاوزت الستين؟!!
منال. قالها وجمد مكانه. فقد فغر فمها، وشغرت عيناها للسماء، ولم ترتد من الدهشة.
منال ذاتها؟!! المرأة السافلة؟!
لا تغلطين على امرأة شريفة. نعم هي منال. قالها بنبرة لوم وتحدٍ.
وليَّة في حنكك وحنكها!! ما لها وما للشرف؟!!
لحست مخك هالمشردة؟ بعد أن أكلت وشربت ونامت في بيتي وعلى فراشي؟!!
أما تخجل من نفسها؟ طمعت في ولدي فاستحقت الطرد. والآن تنتقم مني بانتزاع زوجي. ألن تكفّ عن متابعة هذه الملعونة!!؟
واخيبة أملي فيك يا عادل. والله ما أنت بعادل. أنت فاسد..
صلّ على النبي يا امرأة؟
يالخائن.. منذ ثمانية شهور وانت تخطط لهذه الخيانة!
تأتيني تتمسكن وتستعطف لآويها وأطعمها وأنفق عليها. ثم تريدني أرضى بأن تخطفك مني ببرادة قلب؟!!
تذكر كلماتك الخداعة؟: مسكينة منال ما تحب السمك، اطبخي لها لحماً. وأطبخ!!
فقيرة منال، ما عندها أحد يوصلها المستشفى، راح أوصلها.. وأقول وصّلها واكسب فيها ثواب.
كنت غبية، مغفلة. أتقبل كلّ هذا بدافع انساني.
وأنا أيضاً ساعدتها بدافع انساني. قالها منتهزاً الفرصة ليجد مبررا لأفعاله.
كذاب.. محتال.. لا تحلف.. ولو تحلف على القار لما يصير أبيض، لن اصدق كلمة منك.
شوف، يالخائن. دع عنك هذه المرأة زائغة العين. خطافة الرجال. ولن أمانع أن تتزوج من امرأة أخرى. لكن انا التي اختارها لك وبمعرفتي. سأجد لك أجمل وأحسن منها. وضربت بكفها على صدرها تعبيرا عن استعدادها وصدقها..
أبداً. لا اريد غير منال، قالها برجاء أن يثنيها عن رأيها.
لكنها ضحكت ساخرة: يعني ما في هالبلد إلا هالولد؟
وأقسمت: لا والله لن تأخذ ههذه المحتالة، ناكرة المعروف والجميل. ولو على جثتي!!
أنا بس أريد أن اعمل معروفاً فيها. ومن أجل أن ارفع الشبهة عن علاقتي بها. قال ذلك ليدفع بمبرر آخر علّه يكسر عنادها.
لكنها فاجأته، بعصى المقشة، فاندفعت نحوه. وانهالت عليه ضربا، وهي تصرخ: اخرج.. اخرج من بيتي يا خائن!!
احتمى خلف باب الصالة، وهو يتألم ويتوعد: كفى سأقول الحقيقة...
فانطلقت وراءه تلهث: أية حقيقة؟ وهل لديك حقيقة اكثر مرارة أيها الجبان!! ؟
اسمعي الحقيقة.. منال حامل مني، منذ ستة شهور.
نزل هذا الخبر كصاعقة حلت على جبل فتصدع، وتحول إلى ركام. انهارت في مكانها، تزأر كاللبؤة الجريحة. تمددت وفقدت وعيها. وسبابتها معلقة تشير نحو السماء.
- علي خميس الفردان -
الثلاثاء ٢٠٢٢/٧/٥
شكرا للتفضل بنشر قصتي
ردحذف