*** (إلى الأستاذة.. مع التحية) ***
الأديب/ حميد محمد الهاشم/ يكتب
قصة قصيرة:
(إلى الأستاذة.. مع التحية)
بين النصوص، يتمتم في نفسه،ويتمنى لو يتمتم في نفسها.
"أستاذتي القديرة.. أرجو أن لاتنسِ نظّارتكِ."
مرة إثر مرة, درجة تحت منتصف الغليان. ليس نجاحاً، ليس فوزاً، هو دون ذلك. وهو يرى كما يرى آخرون إنه فوق ذلك، درجة فوزٍ تتبخر معه كل الأشتبهات والظنون، لكن ما يترسب الان لديه ؛ أن كل ما يكتبه من جمال اللغة ورياحين البلاغة ؛ إنما يصبح بخاراً إذا ما قرأتهُ مُدّرَسةُ اللغة العربية، وها هي ترمي نصوصهُ الأنشائية عليه، شاطبة كلمة، ومصوبّة أخرى، وضامّة حرفٍ، وفاتحة حرفٍ آخر.
وخزٌ في قلبه مراراً.. و(جرارا)..، هي من أقالتْ التاء والكاف؛ لتُنصٍّبْ محلهما جيمها وليس جيم الحقيقة.
_أستاذتي.. أين خطأي؟! أين مكمن الضعف في إنشائي؟
_ أأنت أيضاً مرة أخرى ؟!
أحمرَّ وجهُ الطالب المسكين، كستْ ملامحهُ سحنة الوجوم، وهو يرى ماعند أقرانهِ التلامذة دون ما عنده، إلاّ لدى المُدّرسةِ العتيدة بنظّارتها السميكة.
تلك أعترافات جميلة وعفوية يدلوَن بها أصحابه أحياناً.
_ ست.. أنا.. اودّ معرفة ما ينقص أحرفي، أو ما يُزِيدُ أحرفَ الآخرين عما ينقصني، لكي..!!
أبتسامات شفافة وجميلة على شفاه وملامح الطلبة؛ رغبة في معرفة ماذا.. ولماذا... وكيف.؟
_أنت تكتب.. ربما... جيدا.. ولكن...
_ لكن ماذا ياست..؟!
انتزعتْ نظّارتها من عينيها.
جميلتان.. لكنهما ضيقتان.. ضيقتان وخاصة معهُ.
هل يتزامن الجمال مع الضيق.الجمال بلاغة ناطقة أما الضيق.......!!؟
الله أعلم.
_ ألف يوم من الكذب!!.. ما هذا ياولد؟!
هذا فوق مستواك..!! حتى مستواي أنا!
ثم أعادت نظارتها مرة أخرى. كلمة تُلبس النظّارات. وأخرى عارية منها.
وسط كركرة خفية للطلبة؛ يعود أدراجه بخيبة أخرى.
بصوت خفيض، يهمس وبخبث أحدهم في أذنه.
_ هي تتعمد ذلك.
وبهمسٍ منخفض يردّ وهو يصّك على أسنانه.
_إي ليش.. ليش؟؟!
ظلت ( ال ليش) تدور معه لثلاثين عاماً. ثلاثون... ثلاثون.. في أمسية من ماراثون...!
حكايته تقترب..، المنصة قريبة..،ولهفة تلاحق لهفة، و طاولة أوراق مبعثرة، قربها نظّارات معقوفة الأذرع، والعيون كما العيون، بؤبؤ بلا حزمة ضوء، أو ثمة من بصيص، وهو واقف بين النصوص، يتمتم في نفسه ويتمنى لو يتمتم في نفسها " أستاذتي القديرة... أرجو أن لا تنسِ نظّارتك سيدتي.. أعرف أن عينيكِ جميلتان... لكنهما ضيقتان جدا، جدا معي !!..ربما يحتاجان شيئا من النور!
حميد محمد الهاشم/ العراق
تعليقات
إرسال تعليق