إسكندرية ماريا



 قصة ~ إسكندرية ماريا 

الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~~~~~

........(إسكندرية ماريا).........


كان إسمه ضمن كشف الفائزين بالرحلة.

 

أسبوع بالتمام والكمال .


حياة العزوبية مملة ،والتغيير مطلوب .


إسكندرية ماريا وترابها زعفران .


قرأ عن الإسكندرية ،ولم يتخيل أن يأتي 


اليوم ؛ليزورها ولمدة تتجاوز أحلامه .


سينزل الفوج في نزل الشباب بالشاطبي.


لايدري كيف ستكون الحياة في هذا 


المكان المكدس بمختلف الجنسيات !!


تخيل كافتيريا النزل حسب ماسمع من 


الأفواج السابقة( help your self).


سيجلس مع شباب لايجمعه بهم 


ثقافة ،ولاحتى علاقة جوار، أو زمالة 


عمل .


جهز حقيبته ؛كطفل صغير يتلهف على 


الرحلة .


ملابسه الداخلية ،والخارجية، ولبس 


البحر، وأطقم للخروج، وصابون الوجه 


،والشامبو، والبلسم ذو الرائحة ،وفوط 


،وبشكير ،وعوامة ضخمة إشتراها من 


محل تصليح إطارات السيارات !! 


حقيبته السوداء مر عليها أعوام دون 


إستخدام ؛فبدت على غير لونها الأصلي. 


أزال التراب المتراكم ،ثم مسها بفوطة 


مبللة .


نظر لها بغضب ؛كأنه يعاتب إهمالها !!


أحضر ورنيش الأحذية السائل ،وصبغها 


؛ربما يغير من طبيعتها ،ثم دهسها 


بالفرشاة جيئة، وذهابا حتى تومض 


كعهدها السابق؟!  


ترك كل شيء في مكانه، وذهب لغرفته ؛


ليأخذ قسطا من النوم ..ضبط المنبه 


على الساعة الرابعة ..


سيكون أذان الفجرباعثا على الإستيقاظ


، والصلاة، ثم إنتظار الباص!!


نزل إلى الشارع كعادته ينتظرهم لايحبذ  


العكس؟!


حين أهل الباص من بعيد كانت مشاعره 


تختلج كأنه عاد للوراء خمسة عشر عاما 


لاحظواإبتسامته حين صعد درجات 


السلم .


 مكانه بالمقعد خلف السائق ..إختار


المكان  مشرف الرحلة ؛لعدة أسباب 


أهمها أنه الوحيد الذي سيظل مستيقظا 


طوال الرحلة..يستطيع بحديثه الثري 


جعل السائق منتبها طوال الطريق!!


كان الطريق يحمل رائحةالهواء 


النقي ،فالزحام لم يبدأ بعد!! 


السفرفي وقت مبكر يبعث الراحة،ويمنح  


المسافرجرعة لابأس بها من الهواءالنقي. 


الطريق الزراعي من القاهرة وحتى 


الإسكندريةيمر على شريط من الخضرة 


على الجانبين  ،كخيط رفيع مع سرعة 


الباص، وإغلاق النوافذ بالستائر ،فالمكان 


المتاح للنظر من زاوية صنعها لنفسه؛ كي 


يتابع جمال الطبيعة ،ويمضي الوقت.

 

يقطع هيامه بحديث مع السائق كالخطة 


الموضوعة ،ثم يتحرك من مكانه؛ليجلس 


بالكرسي الفردي بجواره .


حين إلتفت؛ ليلقي نظرة على 


زملائه ،وجدهم يغطون في نوم عميق 


رؤوسهم مسندة فوق أكتاف بعضهم ،أو 


على ظهور الكراسي ،وأفواههم 


مفتوحة ،وشخير بعضهم يعلو على 


صوت التسجيل!!


كان السائق شابا في أوائل العقد 


الثالث ،وكان يستهويه الأغاني الشبابية ؛


لما تحويه من طنين عالي، وموسيقى 


صاخبة؛ برر شغفه بها لأنها تجعله 


متيقظ للطريق!!


 صرح بحبه لأم كلثوم ،ولكنه إستبعدها 


من الإختيار بدعوى أنها تجعله يسترخي 


لحد الكسل، وربما يهبط عليه سلطان 


النوم !!


كانت الساعة توشك على التاسعة حينما 


صاح أحدهم : كوبري أبيس !!


قال آخر: مدخل إسكندرية من ناحية 


سموحة!!


ظهرت على مسافة قريبة العمارات 


الشاهقة ،ومحور المحمودية الجديد .


تحرك الباص على كوبري حديث متخللا 


شوارع سموحة قال صاحب خبرة: 


سنترك نفق كليوباترا ،وندخل نفق 


الإبراهيمية ،وسنسير في شارع أبي قير.


 سيكون دخولنا بمحاذاة كلية الهندسة.

 

كان هو يدون مشاهداته عن المبنى 


العريق الذى يمتد لمنتصف 


الشارع ،وبجواره المعهد الفني وعلى


 الجانب الآخر مدرسة ليسية الحرية.

 

تهللوا جميعا عندما ظهر البحر كخيط 


رفيع من بعيد .


قال أحدهم: ماهي إلا دقائق ونعانق هذا 


المعشوق الذي لانمل زيارته !!


علت وجهه إبتسامة رقيقة.. لايصدق أنه 


في أحضان المدينة العريقة يتنسم عبير 


يود بحرها.. يستنشقه ،ويحاول حبسه 


لدقائق ،ثم يخرجه رغما عنه !!


يشعر بلذة غير عادية!!

 

عبور قضبان سكة الترام الأزرق؛ كان 


إيذانا بالوصول إلى نزل الشباب..


تحرق شوقا للبحرلكنه سينتظر حتى 


يعرف غرفته، وسريره، والموعد المحدد 


للذهاب للشاطىء .


وضعوا حقائبهم داخل الغرف، وتحركوا 


نحو الكافتيريا .


جلسوا على ترابيزات متقاربة ،وذهب 


مندوب عن كل مجموعة ؛ليحضر الطعام 


قال أحدهم :عصافير بطني لاتمل 


الصوصوة !!


إفطار سريع ..عيش توست ، وجبن ،  


ومربة، وكوب من الشاي الساخن .


كانوا جميعا في عجالة ؛لإرتياد شاطىء 


ميامي الشهير ؟!


أعلمهم المشرف ؛بأن لهم مطلق الحرية 


في التحرك لكنه حدد موعد التجمع 


للعودة بالسابعة مساءا !!


قال في نفسه:وقت كبير (من الحادية 


عشرة ظهرا وحتى السابعة مساءا).

 

أخرج العوامة، وإستعان بمنفاخ أحد 


زملاء الفوج ؛لتهيئتها .


قال الزميل مازحا: ( ستوصلك إيطاليا 


عائما)!!


وضع العوامة حول وسطه، وأطلق 


ساقيه نحو البحر ؛ليعانق سحره.


 شعر ببرودة المياه ،ثم شعر شيئا فشيئا 


بدفئها!!


الأمواج عالية تتوافد متواترة حتى 


تصطدم برمال الشاطىء ،و تقذف به 


وبعوامته.


يستجمع قواه ويدخل داخل البحر.


 ساعدته العوامة في ركوب الأمواج .


 شعر ببهجة غير عادية ،فالمياه تحولت 


إلى هدوء غير عادي!!

 

لم يعد هناك أمواج إلا في الخلف.

 

العوامة تتحرك لداخل البحر تهدهده 


وهو مستمتع هائم !!


حانت منه إلتفاتة نحو الشاطىء..


 صعقته المفاجأة ..الشاطىء أصبح 


بعيدا ؛حتى أنه أصبح لايميز المباني 


الشاهقة .


تذكر للوهلة الأولى؛ أنه لايتقن السباحة!!

 

شعر بالموت قريب أكثر من أي وقت 


مضى.. تشبث بعوامته يستجديها ألا 


تتركه!! لايستطيع تغيير إتجاهها ،أوكبح 


جماحها ؟!


الأفكار السوداء تراوده ..في الأعماق 


أسماك القرش ..ستقضم أطرافه في 


لحظة؟!


النطق بالشهادة أمر لامفر منه!!


لمح جزيرة روادها كثيرون ..أصبح 


قريبا منها.. تحدث مع أحدهم عن كيفية


الصعود!!


إندهش الرجل عندما علم بأنه لايملك 


توجيه العوامة ( مسير لامخير )!!


ضرب الرجل كفا بكف؟!

 

ساعده وبعض الزملاء في الصعود إلى 


الجزيرة ؟!


كان المنظر مختلفا؛ فكل من رواد 


الجزيرة يمسك بسنارته ،ويصطاد سمك 


البربون والدينيس والبوري. 


جلس .. يترقب رحلة العودة ؟!


ليس لديه خيار في الوقت !!


للمرة الأولى يصبح منتظرا القرار من 


غيره ؟!


قال في قرارة نفسه(متعتهم هنا..ربما 


يمكثون حتى يقترب غروب الشمس) . 


قطع إنتظاره صوت الرجل؛ يدعوه 


لرحلة العودة ؟!


أكد على التمسك بالعوامة وشدد على 


تشبثه بالبونسوارالخشب ؛حتى 


لايتعرض للغرق !!


كان منظر تجمع الشباب لرحلة العودة


مثيرا ممتعا ؛لولا خوفه من المصير 


المريع !! 


أمسك بإحداها ..لايدري نهاية الرحلة 


يتشبث بخوف ،وهلع .. يسير ضمن 


الفوج نحو الشاطىء ؟!


كانت الشمس تؤذن بالرحيل.. تعانق 


صفحة الماء بقرص أحمر يبدو على 


البعد و كأنها تسقط رويدا رويدا داخل 


المياه ؟!


تحسس رمال الشاطىء وتأكد من نسب 


الأمان !!تحرر من منقذيه وعاد سالما 


كل مايشغله ماذا سيقول لمشرف 


الرحلة!!


بقلم:عادل عبدالله تهامي السيد علي


.......مصر........ 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع