المغناطيس



 قصة ~ المغناطيس 

الكاتب ~ د. إبراهيم مصري النهر ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~~~~~

المغناطيس

”الدين أفيون الشعوب لذا التجارة به من أربح التجارات، وأربح تجارة بالدين على الإطلاق وأسوأها في آنٍ واحد، التجارة بعقول ومشاعر الشباب باسم الدين“. عبارة قالها راوي القصة قبل الشروع في سردها.

أحمد شاب متفوق دراسيا، وملتزم أخلاقيا، ومن المحافظين على الصلاة في المسجد مما وطد العلاقة بينه وبين العم ناجي مؤذن المسجد، وكثيرا ما كان يأذن له برفع الأذان بدلا منه، كل أهل القرية يحبونه ويعقدون عليه آمالا كبيرة. اجتاز أحمد الثانوية العامة بمجموع عالٍ أهله للالتحاق بكلية الطب.

هناك، وفي الجامعة حيث المناخ الطلق للحريات التي لا يضبطها ضابط ولا يهذبها دين، حيث التربة الخصبة لبذور كل ما هو جديد بدون انتقاء لنوعية البذرة. 

انفتح أحمد على عوالم أخرى لم يكن لها أثر في جو قريته النقي الذي لم يلوثه دخان المدنية بعد، قريته الصغيرة التي خرج من رحمها حيث الطيبة والصفاء والفطرة السليمة.

بقي أحمد منعزلا عن هذا العالم الغريب عنه، ينظر إليه من خلف سياج الدين، يستنكر على سبيل المثال لا الحصر: تبرج الفتيات، الاختلاط السافر، التباين الواضح ما بين الطبقات،...

وبينما هو هكذا مشدوها يفكر، اجتذبه مغناطيس ينتقي ضحاياه بعناية فائقة من هؤلاء ذوي الفطرة السليمة.

(فرمط) دماغه بقوته الدينومغناطيسية وأعاد برمجة فكره ب (سوفت وير) جديد جعله (يهنج) كثيرا وناقما على كل شيء.

ترك الاهتمام بشأنه وإصلاح عيوبه والمهمة التعليمية التي جاء من أجلها، وشُغِل بأمر الآخرين: هذه تلبس ضيق، وتلك تلبس نقاب، وهذا ملتحٍ، وذاك يدخن،...

عند عودته إلى قريته الهادئة فاجأ الجميع، وقض بدويه مضاجعهم الحالمة؛ سارع إلى المسجد قبل صلاة الجمعة ونهى العم ناجي وزجره عن إقامة الأذان الأول بحجة أنه بدعة، واشتد الشجار بينهما وجر الشيخ الكبير من تلابيب ثوبه وهو يتهمه بالجهل؛ تجمع أهل القرية وخلصوا العم يحيى من براثنه، وطردوا هذا الغريب الذي لم يألفوه خارج المسجد.

د. إبراهيم مصري النهر 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع