عندما تغرب شمس الأصيل
ق . ق ~ عندما تغرب شمس الأصيل
الكاتبة ~ سيدة بن جازية ~ تكتب ..
~~~~~~~~~~~~~~~~
عندما تغرب شمس الأصيل
مالت الشمس إلى المغيب محتجبة بين الغيوم يؤطرها الشفق الأحمر الملتهب حتى تختفي تماما عن أنظار الحيارى الحالمين بالسفر الوشيك.
فوق الرابية المنعزلة عن بقية التضاريس تقبع الخالة دوجة مسندة كفها المشقق الوهن إلى رأسها المتثاقل، تتدلى هامتها على المحيط منتظرة رسالة يجود بها البحر يخلصها من الأنين، ذاك المفترس اللئيم الذي التهم جل الفتيان الحالمين بالخلاص القريب ربما تغفر ذنوبه إن فعلها مرة...
تنسكب الدموع حارقة تحفر أخاديد بالخدين، تتحرًق الأجفان وتجف المآقي فتتساقط رموش العين تزف رفيف الرحيل. وما من خبر يبعث الأمل في النفوس المتعطشة إلى جرعة أمل أو بصيص نور . هدوء ثقيل حزين يعم المكان يذكر بسكون القبور وثقل اللحود . أيام بلياليها لم تغادر المكان زاهدة في طعام أو شراب والنوم قد هجرها وجافاها فهجرت صلاتها و تسبيحها في نوع من القنوط أو الكفر أو الغضب المقيت...
لم يقطع وحدتها غير صياد هرم اقترب منها يواسيها أو يعزيها بعد أن نالت منه شفقة على حالها الكربة. فبادرها :
يا شيخة، عودي إلى بيتك و إن شاء الله يصلك خبرسعيد، سأركب البحر لأجلك مقتفيا أثر المراكب علني أعثر على حبل نجاة يسليك عن الألم واللوعة. سأعترض السفن العملاقة أحاكيها عن زورق محشو بأدمغة الحالمين و الهاربين والمتهورين و الكسالى والمدمنين و المغامرين و الكافرين والحمقى الساخطين...
انتظر طويلا وقد أمسك يدها المرتعشة الباردة بيد أنه
لم يسمع جوابا فقط زمجر البحر بهديره الساخر في مده وجزره وراحت الأموا ج تتراقص بل ترتطم على الشيطان والصخور مستفزة مشاعر الأم المتحرًقة لوعة وقد أخذت ترسم تموجات الزرقة في أبهى رسمة تارة و أتعسها أطوارا خاصة عندما تتلبد الغيوم الداكنة السوداء ويلبس السماء غلالته القاتمة فتنغلق كل منافذ الفرج و تعتنق القنوط. دون حراك، لا تنبس ببنت شفة غير آهات تقطع أوصال القلب المكلوم، تتبعها زفرات محشرجة تعاند الأمواج و اللظى،
لشدما آلمها نعيق اللقالق متشمًمة رائحة الجيف في المحيط فيدوًي في صدر الأم الملتاعة مشهد مأساويً يتراءى كسراب، جثة تطفو على السطح قد التهم الحوت الكبير أطرافها فتدلت الأمعاء خاوية تغتسل في الماء والملح و العينان السوداوان مفتوحتان مشدوهتان على وقع صدمة فاجعة، تتحلق فوقها اللقالق تحدًق في فريستها تتفرس فيها بشراهة تم تنقض ً عليها في هبًة جماعية تلتهم ما تبقًى من الجثة تطمس معالمها ليلفظ البحر بعد ذلك بعض أشلاء،.
تلطم، تندب تشق أسمالها البالية، تنهار لوعة مستعرة ثم تهرع للبحر تحتضنه، تستجديه، تدوسه، تغوص دون وعي تشتم رائحة وحيدها تقترب منها أكثر فأكثر ، تبتسم...
تتعالى أصوات الحرس البحري :
إلى أين يا خالة يكفينا حزنا هذا اليوم، هذا ابنك" البار " بين يديك سليما معافى غير عقله، قبضنا عليه في الناحية الشرقية محاولا الهرب خلسة مع صحبه بعد أن اختلسوا مصرفا...
حاولوا إنقاذها بكل السبل لكنها أسلمت الروح لبارئها على شاطئ ذلك البحر الغادر.
سيدة بن جازية تونس
تعليقات
إرسال تعليق