درس متــــأخِّـــر
قصة ~ درس متــــأخِّـــر
الكاتب ~ ابراهيم الغـــراوي ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~
درس متــــأخِّـــر \\ قصة قصيرة في مجال الأنسنة .
صباحاً اختليت بمشراقتي . أشوي جلدي بهدوء تحت أشعة الشمس . أتلذذ برشفات كوب شاي . ملصقاً نصف جسدي لجدار بيتنا الطّيني , ويتسجّى الأخر ببساط صوف يحمل رائحة ندى ليلة البارحة . أقلّب نظري بفناء الدار الواسع فوق رؤوس الدجاج وتحت أقدام المواشي وخيوط الأدغال المنقوعة بحنة النهر . حالة غير طبيعية انتابت حظيرة الدجاج . تكدسن بشكل ما يشبه الدائرة برؤوس متجاورة هامسات بشيء ما تتبادله بالتفاتات متنافرة حذرة . في حين ولّت رؤوس أخرى بعيداً عن دائرة الاجتماع . قابعة بخوف على المصير . مترقبة عما تؤول إليه الأمور ما بعد الاجتماع .
إحداهُنَّ ، وكانت أجمل دجاجاتنا وأفضلهُنَّ عند أمّي . تقدمت نحوي . قطعت عليّ خلوتي . ربضت على مقربة مني . مرغت جناحيها بالتراب . رفعت منقارها فوق رأسها . قاقت بصوت كسير يتفجر عن أمومة ضائعة مهانة . سمحت لها لتدلي بدلوها وتفصح عما اتخذه جمع الدجاج من قرارات فقالت :-
- يا معشر البشر ، أما كفاكم استصغاراً وتنكيلاً بنا ؟ أما شفيتم غلكم بلحومنا ؟ توفرون لنا أسباب النشأة والحياة ثم تأتون على رقابنا بالمُدى . هل يروق لك يا آدمي ذبح أولادي تحت أقدام أبيك بمرأى مني ؟ أليس هذا نكاية بأمومة الدجاج ؟
كلام خطير استشاط له صدري غضباً وقدحت عيناي بالشرر . ما هذا الهـراء؟ نفشت ريشها . تحول همسها إلى زعيق غاضب كأنما أصابتها عيني بالعدوى . هتفت :
- لن نبيض بعد اليوم ولن نرقد على بيض .
سمع والدي وقاحة صوتها . خرج يحمل حاجبيه فوق رأسه . يطوّق سكّينته بأصابع غائظة .
- أمسكوها .... سأقطع رأسها !!
فرت وهي ترفع جناحيها تشكوه للسماء . بينما راح والدي يفشي غضبه برؤوس دجاجات منعتهن الرهبة من الهرب , ومنح الباقي عقوبة الحرمان من التمتع بمفردات البطاقة التموينية اليومية . تدخلت لتهدئة الأمور . ناشدت فيه وسع باله ورفعة شأنه . وما عليها الاّ أن تعتذرله رغماً عنها .
غابت الدجاجة عنا ثلاثة أيام . عادت بعدها تحمل كيس بيوض . اتخذت لها مكاناً لا ترشقه العيون . تسلطت عليها وقتئذ كانت تدحي البيوض تحت فرن الريش . سلّمت عليها بحنق .
- ما أنتِ صانعة ؟
- اجلس . أنت الوحيد في هذا البيت الذي أظنه يفهمني . هذه بيوض ﻹجناس غير دجاجية . لا يستسيغها مذاق أبيك . أنظر ، هذه بيوض ثعابين . وهذه بيوض سلحفاة وبيوض بلابل وحيّات و...
بعد مدة سترون أولادي يحبون خلفي دون أن تحدثكم بطونكم لالتهامهم .
- يا لك من دجاجة ملعونة !
مر الوقتُ . فقست البيوض . خرجت الثعابين والسلاحف والعصافير والحيّات وال... يمرحون خلفها بحركات غير متجانسة . أخذتهم إلى بعيد . صوب النهر. تقاقي . تعترض الهواء بجناحيها . تغني لهم :
ـــ قا قا ....قي ...قي .. وهم يرددون بعدها كـل حسب لغته. وما إن وصلت النهر . زحفت السلحفاة نحو الماء .وغارت الثعابين في جحورها . وطارت البلابل بين متاهات الشجر ..و....و....
وقفت الأم تصيح بألم ولا جدوى :
ـــ إلى أين يا أولاد ؟ لم تركتموني وحدي ؟ أنا أمكم . ! سأبني بيتاً خاص بنا . يا ثعابين ؟ يا عصافير ؟ يا.....؟ تعالـوا ... تعالــوا..... ولَّى صياحها أدراج الرياح .
عادت الدجاجة تسحل رأسها في الأرض بأسى . فيما كنت أنا أنقل بنظري بحزن بينها وبين أبي الذي راح يداعب مــديته بغضب ...............................
مع تحيات القاص \\ ابراهيم الغـــراوي
تعليقات
إرسال تعليق