شيء سماوي



 قصة ~ شيء سماوي 

الكاتب ~ ياسر الحلوي ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~

شيء سماوي

...

ثمّة شيءٌ غريبٌ لم نألفه حطّ عليها، مسحةٌ من السحر عمّدت وجهها ومجمل تفاصيلها.. عاداتها، ابتساماتها، سلوكها، حركاتها، كل شيءٍ تغيّر، وحيّ من السماء نزل عليها، ومنحها فيضاً من الخصال العليا، إذ بدت إنسانة أخرى منزّهة عن كل قبح وقسوة في الوجود، لم تعد تزجر الكسالى وتضربهم بالعصا لتقصيرهم، بل راحت تقدّم لهم النصح والإرشاد بأناةٍ ولطف، ولم تعد تنتهر المشاغبين وتشجب وقاحتهم أثناء الحصّة، بل أصبحت تقترب منهم وترمقهم بابتسامة شفافة، ثم تستأذنهم في متابعة الدرس، وكان مفعول ذلك إيجابياً على الصفِّ برمّته، ولم يلبث أن تسلل السحر إلى هندامها وعلاقتها بمديريها وزملائها المدرّسين، حتى إلى طريقة إمساكها بالطبشور ومشيتها وأنفاسها، وبدت كملاكٍ بشريٍّ يسير ناثراً من حوله شذى الإنسانية بأسرها.


ودارت مساجلات التلاميذ المطوّلة حولها، متسائلين عن السر الذي أحالها من إنسان اعتيادي يحمل كل أوزار بشريته، إلى إنسانٍ راقٍ شفاف خصب وهب الآخرين قلبه وروحه. رجّح البعض هذا التبدّل إلى رغبةٍ منها في تغيير نهج حياتها الفاتر المملّ، الذي أثبت لها فشله سواء في علاقتها بزملائها، أو في إقبال تلامذتها على تلقي شروحها المقتضبة، واستساغة أسلوبها الجاف الحازم، ورجّح آخرون أنها حالة معنويّة طارئة حلّت عليها لسببٍ ما سرعان ما تغادرها.


دخلتْ علينا الصفَّ ذات يوم وهي في غاية المرح والجمال، وأخذت تُجيب عن كل ما دار في خلدنا من تساؤلات، تمتمت شفتاها لوهلةٍ ببضع كلماتٍ مازحة، ثم فاجأتنا بنبأ إجازتها التي ستنقطع خلالها أياماً عن المدرسة، لانشغالها بعقد قرانها وحفل زفافها، قالت ذلك وهي تتناقل من ركنٍ إلى آخر أمامنا، كفراشةٍ تتهادى فوق الأزهار بغنجٍ ودلال، بينما ما انفكت عيناها تُنبِئ بذلك الشيء السماوي الذي هبط عليها، وأحدث انقلاباً في أبجديّة وجودها.

    ياسر حلوي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع