وحيداً على المقعد
قصة ~ وحيداً على المقعد
الكاتبة ~ آسيا الخطيب ~ تكتب...
~~~~~~~~~~~~~~
وحيداً على المقعد
أمر مثير للتّساؤل والتّعجب ألّا تكون الحافلة تغص وتختنق بالنّاس
بعدما أصبح تحصيل المازوت أشبه بتحصيل الذهب !..
هكذا يردّد كهل في نفسه.
في المقعد الأخير يجلس الكهلُ بجانب شاب يافع،
خيّم الصّمت عليهما ، حتّى اختلجت الحافلة البطيئة
المهترئة جداً مرّات متكرّرة ، وكأنها تحشرج ،
وعند ذلك فهم الكهل لماذا بقيت غير مزدحمة!.
_هل تعلم ان حافلات البلد لم يتم تحديثها منذ عقد ؟
هكذا قال الكهل بشفتين متعبتين..
_عفواً ؟
_أقول .. إنّ هذه الحافلات اهترأت ..
واهترأنا نحن أيضاً .. دخلنا عصر الكهولة سوياً ،ولم يتم تركيب قطع تبديل لا لنا ولا لها !
_ ماذا تقصد ؟ سأل اليافع باستغراب .
_ أسناني مثلاً تحتاج استبدالاً ببدلة أسنانٍ ، مفصل ركبتي يحتاج تبديلاً بمفصلٍ صناعي ، إحدى كليتيّ تحتاج تبديلاً بأخرى ...
يبحلق الشاب اليافع بذهول دون إجابة ، فلا ينتبه الشيخ لصدمة الشاب، ويشير بيديه للنافذة و بفم متثاقل ولسان مرهق بطيء يقول : منذ أكثر من عشر سنوات سلكت هذه الطرق ، ولم أكن أعلم أنه سيتم تجديدها بركام الحرب ، لقد أخذت شكلاً آخر تماماً .
لم يجب اليافع على الشق الاخير ولم يعط انتباهاً للتّتمة
كان ما يزال مصدوماً بعبارات البداية !
_ لماذا لم تقوم بطبابة جسدك إذن ؟
_ لأنّ انهيار هذا الجسد قد تزامن مع انهيار الليرة ،
وبوقت قياسي أصبحت حقوق الإنسان بالليرة وطبابته بالدولار .
_ تقصد أنّك لا تملك المال لذلك ؟
_ ما أملكه بالكاد يكفيني تكاليف نعشي وجنازتي .. إن لم أتكفّل بذلك قبل موتي ، سيشق على ابني دفعها ، وربّما سيتركني ممدّداً على الطريق بلا كفن .. قهقه بصعوبة .. وبقي اليافع ينظر تارة للكهل وتارة للنافذة ..
بعد مرور عشر دقائق تقريباً ،توقفت الحافلة ونزل الشّاب اليافع تاركاً في جيب الكهل جزدانه الذي جرّده من مفاتيح بيته والهوية الشخصية، وترك فيه مالاً كثيراً ..
في البداية لم يحاول الكهل فتحه ، حاول أن يفهم ما يحصل..
وعندما فهم أغلق سحّاب الجزدان بعد فتحه، وتفحّصه ببطء مريض وخمول تعسٍ ووضعه جانبه قائلاً في نفسه:
(هذا المال لم يعد بإمكانه نفع مهترئٍ منتهٍ مثلي ولا بمقدار ذرّة ، لعلّه ينفع أحداً لديه أملاً في نفسه وجسده..)
توقفت الحافلة ونزل الكهل وبقي الجزدان وحيداً على المقعد.
آسيا الخطيب
تعليقات
إرسال تعليق