يحيا العدل



 قصة ~ يحيا العدل 

الكاتب ~ عبد الوهاب ناجي ناجي ~ يكتب...

~~~`~~~~~`~~~`~~~~

يحيا العدل

في نهاية أحد القرون السابقة، حظيت مدينة صنعاء بقاض لم تحظ اليمن بمثله من قبل، وكان الأمن قد أحضر إلى المحكمة فتًى متهما بسرقة صاحب المتجر الذي يعمل فيه، مكتسيا باليائس، نحيل الجسم، يبدو بعمر العشرين، جلس خلف القضبان، وقاعة المحكمة تضج بالناس، هناك صاحب المتجر ومحاميه يتبادلان الكلام، المحكمة والقاعة منشغلين بالقضية التي تسبق قضيته، بدت وجوههم فاتحة أفواهها، بارزة أنيابها القاطعة، والجدران غارقة بالسواد، فنكس رأسه في همومه التي أوصلته إلى هذا المكان، قبل أكثر من عامين، تعسرت حالته، اضطر إلى ترك مدرسته والبحث عن عمل ليعيل نفسه وأسرته، ساقته أقداره الكالحة إلى هذا المتجر وصاحبه، للعمل فيه بأجر زهيد، على أمل أنه بعد أن يتحقق من أمانته ومقدرته، سيزيد من أجره. ومرت الشهور تجر خلفها شهور، وصاحب العمل يماطل، مستغلا حاجته للعمل، وقبل أسابيع، كان صاحب المتجر كلما ترك المتجر للفتى، يردد (إياك أن تسرقني)، كانت الجملة تزلزله، لكنها فتحت له طرقا ظن أنها الإغاثة، راح يفكر ويخطط (طالما وصاحب المتجر يسرق جهده ويستغل حاجته، فلا بأس من استعادة جزء من المسروق)، حتى اعتادت يده، فقرر سرقة الخزنة والفرار، وبالفعل تم ذلك، لكن رجال الأمن، أدركوه، وأعادوا المسروق، وأودعوه السجن، وعرضوه على النيابة، ومن النيابة إلى المحكمة. لقد وقع في المحظور، ليس عنده أمل، فمن ناحية هو في مجتمع إذا سرق الكبير منهم تركوه، وإذا سرق الصغير سجنوه، والواقعة ثابتة عليه وهو نفسه معترف بها، فلا أمل لديه، يشغله الآن كم المدة التي سيحكم عليه قضاؤها في السجن. وبانتهاء القضية السابقة، شرعوا في قضيته، وراحت النيابة ومحامي المدعي خطاباتهما التي لا تعنين شيئا للفتى، راحت خيالاته تندب حظه العاثر، وجاءت لحظة النهاية، أصدر القاضي حكمه، جاءت ديباجته أن القضاء ليس معنيا بتطبيق القانون فحسب، ولكنه معني أيضا بتطبيق روح القانون والعدالة، قضى الحكم بحبس المتهم ستة شهور عقابا على خيانته الأمانة، وجاءت المفاجئة الكبرى في الفَقْرة الثانية، (وعلي المدعي بالسجن ستة شهور عقابا  على استغلاله لحاجة الفتى للعمل بأجر زهيد)، والفقْرة الثالثة إلزام المدعي بدفع راتب الحد الأدنى على الفترة الماضية، وهو بمثابة ثلاثة أضعاف ما كان يتقاضاه، أصغى سمعه للقاضي، وما أن انتهى القاضي من تلاوة حكمه، دوت المحكمة بصوته، يحيا العدل، يحيا العدل، يحيا العدل، رددها الصدى مرات ومرات.

عبد الوهاب ناجي ناجي

نوفمبر 2022 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع