*** بستان النخيل ***





الأديبة/ جميلة لوقاف / تكتب 


بستان النخيل

 في بستان النخيل الذي أفنى عمره وهو يعتني به ، ووسط آلاف النخل التي كان قد أعطى لكل واحدة منها اسما كما أعطاه لأبنائه ، ترنو نفسه وقد أرهقته الوحدة والكبر . 

جلس الشيخ الذي ناهز السبعين من عمره فوق حجر كان قد هيأه ليرتاح عليه بعدما جمع أعواد النخيل الميتة وبعض الأعشاب الطفيلية اليابسة التي ملأت المكان ، وأشعل فيها نارا أوقد بها ذكريات مشتعلة بقلبه ، اختلطت رائحة الدخان مع نسمات الشتاء الباردة فعبقت برائحة  هيجت ما بداخله 

هبت عاصفة الذكريات الهوجاء وإشتد صقيع الوحدة يملأ المكان ، ووسط بردة من أحزان ..  أحس بالبرد الشديد يلف جسمه الذي هرم وانحنت أضلعه فاستعان بعصا ، تلازمه كظله يستند عليها في دروب هذه الحياة القاسية وله فيها مآرب أخرى ، راح يقلب أعواد الحطب والسعف المشتعل ليتدفأ .. تاه بأفكاره بين ذكريات جميلة وأخرى مريرة ، يحرك الحطب ليزداد لهيب النار كما يزداد لهيب الشوق في أعماقه . وسط أحزانه يتكلم بلا صوت ، يئن ويتألم .. يرى كل من حوله وقد أصبحوا من عدم إلا تلك النخلات مازالت وفية له ، شامخة تسانده تقول له : لا تخف نحن معك إنه يسمعها وتسمعه ، يحسها وتحسه . بعكس أبنائه الذين رحلوا وأخذوا معهم أجمل أيام العمر ؛ شبابه  ، فرحه نسوا كل شيء ، عندما شد عودهم ودعوه ، 

على جمر النار تآكلت سنينه ، وعلى لهيبها  يحدق بصمته يُطَوِفُ نظره يتساءل أين أنتم يا أحبائي ؟

حتى  رفيقة الدرب رحلت هي الأخرى مودعة الحياة بعدما سافر أبناؤها، لم تستطع مقاومة رياح الوحدة في بدايتها فانتهت تاركة ذلك الغصن الشديد متكأ على جذع النخل يقاوم صقيع الأيام الباردة دون رفيق .

لوقاف جميلة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع