هــل مِــنْ عــربـةٍ أُخـرى ؟
قصة ~ هــل مِــنْ عــربـةٍ أُخـرى ؟
الكاتب ~ ابراهيم الغراوي ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
هــل مِــنْ عــربـةٍ أُخـرى ؟
واقفـا , قـاعدا , كنت ماذا , كيف كنت لا أدري ؟ ضفائر الأنابيب اللينة تخترقُ عليّ جدار وحشتي فاحمة الليل . ينهمرُ جوفها فوقي بلذائذ الطعام والشراب . أنا إمبراطور تلك المملكة الخالية السكان . ربّما رحل أهلها مع أول عربات القطار . أفتح عيني , أغمضها . لا فرق . الظـلام الجاثم فوقي بملل , جعلني لا أميّـز المحيط . فمي مقفل بسكوت من حديد . انزلقُ , اتدحرجُ , لا أجد ردود أفعال لدحرجتي تنبئني بمحدودية المكان .
أين أنا ؟ من أسقطني في هذا السكون ألقسري ؟ لماذا لا يمكن التعبير عن الذات بشيء من البكاء أو الشكوى ؟ ربما هذه الأشياء محكومة بوجود بشر؟. امتلأت غيظاً , قرفاً , لتلك الراحة المفرطة . تحسستُ وجود أعضائي . انتفضتُ واقفا , معلناً عن عدم حاجتي لها . يوم ذاك كان امتداد قامتي سبباً لتهديم أسواري المصبوغة بالليل , وسبباً موجباً أيضا لتقديم استقالتي عن العرش .
أمّي هي أوّل من تهلل وجهها بالفرح لهذه الإستقالة , فمولودها كان ذكراً. ولأنها منذ تسعة أشهر كانت مضمخة بالوهن . واشتاقتْ كثيراً أن تنزوي بحضن أبي ببطنٍ ضامرٍ .
اندلقتُ صوب عربة عجت بأشياء ما كان في بالي لها حساب . أول ما أرعبني فيها هو الضوء . واجهته بصرختي باكياً . ولأوّل مرة أرى أحد أعضائي يمارس وظيفته . انتابني شعور بخطأ قراري السابق بالتخلّي عن أعضائي. فتعالى صراخي . لا خوفاً من شيء بل رغبة مني كي أُسمِع الآخرين إلغاء قرار خاطئ اتخذته .
- لا تقطعوا أعضائي فأنا بأمس الحاجة لها .
غير حالة في هذا الوجود المُثقل بالتضاد والمتشح بإعلانات ثمن كل شيء , حتى البكاء . أججتْ فضولي مشاهد سخيفة . هنا كرسي واحد حمل مرغما كدسا من الأبدان . وهنالك كدس من الكراسي محجوزة خصيصاً بإمرة قدم واحد . مَنْ سبقوني إلى هنا ، منهم من رأيته يحمل معولاً , وذاك يحمل أكياسا ً. وآخر يحمل بندقية . سمعتهم دائماً يتوعدون الفقر والشيطان والحظ كألد أعداء . آخرون رأيتهم يرزمون قصاصات ورق ملونة يدّخرونها كتمائم ضد مرض الغثيان, الذي ينتاب أصحاب المعاول .لا يكنّون العداء إلا للإنفاق والكرم . عن بعد أو قرب أشمّ رائحة أصوات أوجاع لإقدام تعج بها الأزقة . يلعق لساني قهراً مذاقَ الفقر الذي ترشحه جدران بيوت الطين , فيختبأ خاسئاً محتمياً بسياجه العظمي . كارها تبذير الكلام في الضجيج .
أحجماني عن السؤال أنفي ولساني , في وقت آل فيه فضولي إلا أن يسأل أبواب الصاج التي يهاب ارتيادها الفقر حتى وان كانت مفتحة ؟ .حملتُ جسدي فوق رغبة جامحة عصفتْ بسكون حيرتي , راحلاً صوب غير عربتي ، علّني أجد مكاناً لا تدعوني فيه الحاجة للتسلح بفضول أو بلادة ، حتى كل العربات , لم أجد في أي منها ملاذا قد كفت فيه الساندين عن الصياح. أجهدني الترحال دونما جدوى. حينها أدركت أن لا مصلحة لي في مصاحبة البلادة لهذا الحد , فأعلنت استقالتي عن مزاولة الأحلام . تفاءلتُ ليوم قادم , مُتسلحاً بكيس ومعول وبندقية , وجمحتُ باسماً للّحـاق بمن سبقـوني للذود عن أرغفة الخبز........ .
******
القاص \ ابراهيم الغراوي
العــراق
تعليقات
إرسال تعليق