*** رباط لا مفر منه ***





الأديب/ أبوالقاسم محمود  / يكتب 



رباط لا مفر منه

رباط لا مفر منه 


يكظم غيظه، يهرول ساعيا للهدوء، هاربا من ضجيج التجمعات إلى سكينة الإنزواء، مكتوب أعلى القوس الإسمنتي ساحة العشاق، يقتحم المحبون مثنى مثنى..

شارد الذهن ، تلتقط مخيلته الصور ، ٢

بعيدا عن البيت ، صار في منأى عن نشاز الأصوات التي تمزق دواخل أذنه ، تهيج لديه القولون العصبي فيبتلع العقار قبل الأوان ..

لوحات العناق ، همسات تغري بالمتابعة ، يتذكر مسامعه المحشوة بقطع القطن ، تدفعه غريزة الفضول للتخلص منها !! لأول مرة يستشعر أهمية السمع ، رحابة المكان الخالي من خصومات الجيران وصراعات النساء من خلف النوافذ وأصوات الأجهزة الكهربائية التي ترفع عنادا في مجتمع يعد ساعات نومك ويحسدك عليها ، يطلق المنبهات دون الحاجة لها ، يصرخ لنداء القريب..

أذناه المتعبتان تستأنس آهات تلج طبلة الأذن كسمفونية تبعث على الحياة، أصابع  متشابكة ، خصور محاطة بأيادي منهمكة في تحقيق الوحدة ..

ضحكات وهمسات يفتقدها الحي الصفيحي..  حيث كل شيء مزعج حتى قطرات السماء وهي تقبل  الأسقف القصديرية، يدوي ٱرتطامها كشظايا العذاب، الماء بين دروب (الكاريان) الضيقة يجعل كل شيء ميتا حتى الأحلام ، تتساقط أعمدة البيوت ، يعلو صراخ الفقد ..

أمسك بخصر ظله ، ٱستند على كتفه ، راح يهمس في أذنه ، يتلاعب برجليه بمشية صبي ، قاده الخجل الطفولي للباب الخامس .. 

جلسا على كرسي رخامي محاط بورود مختلفة الألوان ، شلالات صنعت بإتقان ، خرير مياه كلحن رومنسي ، أشجار رصت و قصت بيد بستاني فنان ، يتخيل طيفه وقد أحكم تطويقه ٱمرأة حوراء ، يمرر أنامله العطشى بين خصلات شعرها ،يشرب من مهجتها إكسيرا ، يهيم كليا .. لسانه المنهمك في إفراغ أوجاعه لم يترك  

له متسعا لسماع المؤذن ..

خطيب الجمعة بدأ موضوعه، عابرا بين الموت والحياة ، الصراط ، النار ، الجنة  ، 

ما يزال في وضعية وحدة ، غادر العشاق منذ الآذان الأول ،

عرج الخطيب على حور العين ، وصل صوت الميكروفون لقلبه في وضعية ما بين  الإنتباهة والغفوة  ..

حين نطق الفقيه (أزواجكم في الدنيا أزواجكم في الجنة ) ٱنتفض مذعورا ، يتمتم متثائبا : أستغفر الله العظيم.


-أبوالقاسم محمود

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع