زيارة سرية



 قصة ~ زيارة سرية

الكاتب ~ د . نبراس سالم ~يكتب...

~~~~~~~~~~~~~

زيارة سرية.


- الليل والنهار أصبحا سيان، ظلام الوحشة يسود المكان، لا سلام ولا سكينة، التفتيش والمراقبة مستمرة، أهوار الحب والجمال، أصبحت منطقة حرام، حربٌ وقتالٌ، وموتى.

مثار ريبةٍ واستفسار، كل من حاول دخولها، وقد لا يخرج منها، أو يُقاد إلى التحقيق والسجن من نجح وخرج، نتسلل كل مرة تحت جنح الظلام، عسرة المهمة تضاعفتْ بعد تجفيفه، ولم يردعني ذلك، عن عملي، نَفقتْ معظم الجاموس والأسماك والطيور التي تعيش فيه، وما زلتُ أنبض بالحياة. فالحذر، توخى الحذر.

- مجبر أخاك لا بطر، متزوجٌ منذ ثلاث سنوات، ولم نُرزق بحملٍ، عَجْزنَا لكثرة مراجعات الطبيبة، جرّبنا العقاقير والحرز وعمليات التخصيب بأنواعها، وفشلنا، التلقيح الاصطناعي سلبنا كل مدخراتنا.

الجميع ينصحني بزوجة أخرى، زوجتي تهددني بالانتحار، لو تركتها، أو تزوجتُ غيرها، وأنا حقيقة أحبها، بأطفال أو بدونهم، لكن أهلي يخطبون لي الفتاة، تلو الأخرى، فأعتذر في كل مرة.

نصحني أحدهم، بتجربة حلوى الخريط¹، يقولون بأنها تقوي المبايض، تعبت من الملامة، قشٌ أتشبث به،   وسأحاول أي شيء، لعلَّ وعسى، حتى لو تسبب ذلك بموتي.

لا تنظر لي كالمجنون، فأنا فعلا أكاد أُجن، أدخل إلى ساحة المعركة، وفي بيتي معركة أخرى، سأدخلها لأجل الحلوى.

أخذت حقك كامل، نعم مبلغ غير كافٍ لو فقدنا حياتنا، لكن هذا غاية ما أستطيع أن أمنحك إياه، فلا تشعرني بتأنيب الضمير.

- لا تحزن، هذا موطني، وهذا عملي، أقود المشحوف² لمن ينوي غور مجاهل ما تبقى من الأهوار، بك أو بدونك، الموت مكتوب علينا، المشكلة، أين سنجد حلاوة الخريط، الكل هاجر، ليتَ أولادي معي، لكانوا خير عون لنا.

- وأين هم الآن؟

- تركوني، لا أعلم عنهم شيء، أحياء أم أموات، تشبثوا بأجنحة طيور اللقلق وهاجروا معها، بعيداً عن دفء الجنوب.

- ولماذا لم تَطِر معهم، يا حاج؟

- أترى بردي الأهوار يا أخي، مرفوع الهامة ثابت، لا يتمايل تحت أي ضغط إلا مع نسمات الأهوار الخفيفة، لا تنخدع بقساوة مظهره، قلبه ناعم وطري، لا يجرح من يخرط ثمرته، جذوره في الأرض منذ الأزل.

هذا أنا، لا أبحث عن من تركني، ومنه لا أزعل.

- يا بختك يا عم، وتقول الشعر.

- وهل يسمى هذا شعر، الشعر والشعراء رحلوا مع أيامهم، وذهب الخير معهم.

- تعمقنا كثيراً، أسمع أصواتاً غريبة، أعذرني، أشعر بخوفٍ شديد، هل تسمعها مثلي، يا حاج، أين أنت، يا حاج.

المشحوف فارغ!، من وضع المردي³ بيدي؟، الأصوات تقترب ووميض ضوء خافت يقترب، كلا، كلا، لا يمكن أن يكون الطنطل⁴؟، ما هذا الهذيان!، أفكار أطفال، قصص الجن والطنطل، ما عادت تخيفني، خرافات الجُزر الخفية بذهبها وجواهرها، يا ل حماقتي.

- قف، ارفع يديك، أي حركة تبدر منك، سنطلق النار، أي حركة فيها هلاكك.

- الحمد لله، أنه الجيش، لكن، أين الحاج؟.


¹ الخّريط حلوى تُصنعُ من نبات البردي.

² المشحوف زورق خاص بالأهوار.

³ المردي عصا خاصة لدفع المشحوف.

⁴ الطنطل شخصية خرافة يستخدم في إخافة الأطفال. 

د. نبراس سالم 

العراق 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع