بدايات ونهايات



 قصة ~ بدايات ونهايات 

الكاتب ~ د . نبراس سالم ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~~~

بدايات ونهايات


إنها النهاية، انتهتْ عملية طيّ الملابس، حقيبة كبيرة وقديمة، بالية بالكاد امتلأت، سَتُثير دهشة وسخرية المسافرين في المطار، لا ضير، لن أنفق فلس هنا بعد اليوم، ما جمعته من بيع ميراثي، لن أضيعه على القشور هنا، لقد احتوت كل أحلامي وأمنياتي للسفر، وسأرميها حال وصولي، لن أحتاج إليها، سأستبدلها بما فيها، بحقيبة ظهر صغيرة، كافية لعبوري البحر، نحو بلاد النعيم.


إنها النهاية، انتهتْ عملية طيّ الملابس، حقيبتي الجديدة، اشتريتها كبيرة وامتلأت، لن أترك شيئا هنا، اشتريتُ الهدايا ﻷطفالي وملابس لهم ولزوجتي، أنفقتُ كل بنس بحوزتي، لن أعود إلى هنا مرة أخرى، ضباب لندن كتَمَ أنفاسي، هرِمَ بغربة ثلاث سنوات قلبي، الحنين كاد أن يقتلني، كمْ اشتقت لهواء بغداد وهواها، ونسمات الجنوب الدافئ سيُذب جليد احاسيس أوربا.


آه يا والدي، أكان لِزاماً عليك ترك لندن، زميلٌ لكلية الجراحيين الملكية البريطانية، جراحٌ ماهر، ونجاح بتفوق، تترك كل العروض المغرية، لتعود لبلدك، تحارب للمحافظة على وظيفتك، براتب بسيط، تنخرط في السلك العسكري مرغماً، لتدخل في حرب تلو الأخرى، لم تترك لنا، بعد عمر من الكفاح، غير بيت قديم، وسيارة وهذه الحقيبة، لو بقيتَ هناك، ما تعذبتُ أنا، للسفر والهجرة اليوم، رحمك الله.


آه يا والدي، كمْ عانيت في عملك، أراك تدخل علينا، كل يوم ببدلة العمل الزرقاء، مساء، والشحم والأوساخ يغطي شعر رأسك حتى أخمص قدميك، ما زلتُ أشعر بخشونة يدك وهي تُمّسِدُ خديّٕ، فِرحاً بنجاحي، كنتُ مفخرة الحي، رجلٌ أمي، وابنه ، يذاهب إلى لندن لدراسة اختصاص عالٍ، كان أحلى شعور، كمْ أشتاق لخشونة يديك، تمنيتُ أن تستقبلني في المطار، لأعوضك عن كل ما فات، رحمك الله.


وداعاً يا وطن، الغربة أجملُ من جحيمك، سأعيش حريتي، وأكون مثالا يقتدى به، سأعبر بحر الحرمان، ولو كتب لي النجاة، هناك تكون البداية.


وداعا يا غربة، وطني مهما جار عليّ، أهواك، سأغادر أحلى منفى، قادم لك يا بغداد، قادم لحنّية أمي، وللدولمة وشربت الزبيب، سأخدم ناسك بعلمي، هناك ستكون البداية.


د نبراس سالم. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع