وجوه الشقاء
قصة ~ وجوه الشقاء
الكاتب ~ ابراهيم حماده ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~
وجوه الشقاء
الخالة فاطمة إمرأة سبعينية...إنفرط عقد عمرها ولم يبق منه إلا حبيبات قليلات... ومع ذلك ظلت هذه المرأة كائنا خارقا صامدا...يعاكس رياح الهموم ويغالبها...إستجدت من عمرها عمرا جديدا...تنسل من فراشها منذ الشفق تحت ضوء القمر ...تحت لسع
اللفيح وقطرات المطر وهي تتدثر معطفها الصوفي الذي صاحبها منذ سنوات وقد أبلاه الدهر وجعل فيه ثقبا تتسرب منها لفحات البردو قطرات المطر فتتحسها الخالة في صمت وفي جلد ...داخل الصندوق تلتحم أجساد النساء ويعم الحديث وتتصاعد الجلبة...وتتنوع الحكايا فيتقلص البرد في الأجسام برد الشتاء وتسري روح جديدة روح الدعابة والإخاء...عند المنعطف تتوقف الشاحنة وتفرغ حمولتها من النساء...فتسعى الخالة فاطمة وصويحباتها إلى البساتين تنبش الأرض حول كروم العنب حينا وتجني حبات الزيتون. وتلتقط ما سقط منها أرضا وتصعد السلم المنتصب على الأغصان وتمد يدها وبمشطها البلاستيكي تسحب الأغصان فتتساقط الثمار في موسيقى رتيبة. طالما ما مجتها الخالة فاطمة...فهي دائمة التفكير في بعلها المقعد وأبناءها الأربعة الذين يرتادون المدارس...عندما تضيق بها الدنيا ويفترسها الحزن...ترفع عقيرتها بالغناء وقد إمتزج حزنها بقلقها وشقاءها...فتمتلئ المآقي دموعا حرى لصوتها الشجي وأغانيها المؤثرة التي تمتد أصولها لتراث الأجداد...والخالة فاطمة هي إمرأة دؤوبة ونشيطة هي قصبة نحيلة تصارع هوج الرياح وتتمايل لكنها لاتسقط فتظل واقفة صامدة...وعندما ينقطع النشاط الفلاحي تصبح الخالة فاطمة عاملة بيوت...تقدم خدمات تحت الطلب...فحياتها بعض المال يسد الرمق وكثير من الشقاء...وعندما تنظر في محيطها وتشاهد. شابات في عمر الزهور وقد ترهلن وشدهن الخمول إلى الكراسي الوثيرة وحكايات المحمول التي ملتها الأذواق فتتحمل همن وتطلق تنهيدة طويلة تنقطع لها نياط الألباب فتقوم بتنظيف الزوايا وتطبخ الفطور على نار التنور الملتهبة... وتقول كلمتها بصوت عال«هذا الجسم خلق ليخدمنا فنأخذ منه مالنا ونقضي منه وترنا قبل أن يشيخ ويسكن
ويصبح عبئا لايقوى حتى على حملنا»
ابراهيم حماده_تونس_
تعليقات
إرسال تعليق