ماشيًا



 قصة ~ ماشيًا 

الكاتب ~ ماجد بكار أبو إياس ~ يكتب...

~~~~~~~~~~~~~~~~

ماشيًا


انحشرت في مقعد السيارة الخلفي، كأسفنجة بين أختيَّ  المنتفختين ككرتين من غضب ولهب، فلا أستطيع حراكًا، ولا أن أحكّ أذنيّ، اللتين حاولت أن أصمّهما عما كانتا تهذران به من كلام.

- إياك أن تعترف لها بشيء!

- قل للقاضي إنك لا تستطيع أن تدفع لها إلا خمسين دينارًا كل شهر.

- خمسين! كثير!... قل له: عشرين.

- لا تنسَ الذهب الذي لبّسته لها في حفلة الخطوبة.

- هذه ملعونة، سوف تنكر وتكذب، إياك أن تتنازل لها عن شيء!

كان أبي يرمقهما بنظرات التأنيب حينًا، والرضى حينًا آخرَ، وأما أخي فقد كان يسوق بعصبية بالغة جعلت أبي يصيح به: سقْ بهدوء... توشك أن تضيّعنا؛ ألا يكفينا هاتان الإذاعتان اللتان لا تتوقفان!

نظر أخي إلى أبي وهو يتأفف: معهما كل الحق! أنا لم أكن راضيًا عن هذه الخِطبة منذ البداية، لأنها...

- قاطعه الأب بحزم: قبل أن تكمل تذكر أنها ابنة خالك...، ثم ساد صمت ووجوم، عدت خلاله إلى تلك الطفولة اللتي قضيناها معًا، وتلك اللحظات السعيدة التي كنا نجتمع فيها. تذكرت دمعة أمي وهي ترفض الذهاب معي إلى المحكمة: لا أريد لك الحزن ولا لابنة خالك!


أمام القاضي وقفت وأنا أنظر إلى حبيبتي بطرف خفيّ، مع أنها كانت تنزوي خلف أبيها وأمها. بادلتني نظرات عتاب ولوم وشوق. عاتبتُ العتاب بسهام اشتياق ولوعة. 

سألها القاضي بضع أسئلة، ثم ختمها: هل ما زلتِ راغبةً في الطلاق؟!

أحنت رأسها والدمع يغرق عينيها، فأجاب أبوها عنها: نعم.

 جاء دوري. ناقشني القاضي طويلًا، ثم قال لي: هل تعترف بما لها عندك من حقوق؟

وقفت. نظرت إلى أبي فأطرق ببصره إلى الأرض. حمدت الله أن أختيّ لم تحضرا الجلسة. ثم أجبت: نعم، سيدي القاضي: أعترف بكل ما لها عليّ.

قال القاضي: هل تستطيع أن تدفع لها حقوقها؟

قلت: سأدفع كل ما تؤمر به، سيدي، نقدًا. 

قال: وهل تطلبها شيئًا؟

قلت: ليس لي عندها شيء.

سدّدت ما حكم به القاضي لصندوق المحكمة. وحين انتهيت كان أبي وأختاي قد غادروا مع أخي بالسيارة. أكملت طريقي ماشيًا...


ماجد بكار أبو إياس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع