الأحمق



 ق.ق.~ الأحمق 

الكاتب ~ عبد الغني تلمم ~ يكتب..

~~~~~~~~~~~~~~~

 الأحمق         


في المقبرة بعدما وضعنا اللحد على قبر صديقنا و أدينا العزاء، تقدم والده نحوي و قال لي..

" يا ولدي، أنت صديقه و أعلم مني بما يقال في القبور.. ابق قليلا و ادع له كي يثبته الله عند السؤال"

غادرت النعال و بقيت على قبره أتأمل تغير الأقدار. بالأمس كنا نسهر و نمرح و الآن ها هو يرقد تحت التراب. وقفت على قبره لا أدري بما أدعو فتذكرت أسئلة القبر و بدأت أردد قرب رأسه..

الله ربي.. الإسلام ديني..؛ 

لم أكد أكمل كلماتي حتى بدأ أحدهم يرجمني بالحجر!! إنه موحى الأحمق الذي يسكن المقبرة.. يرجمني و يبدو غاضبا.

صرخت فيه.. "توقف يا موحى؟ عار عليك ألا ترى أني أدعو لصديقي المتوفى؟" فتقدم نحوي و صاح.. 

- أنت تغششه!! تعطيه الأجوبة الصحيحة و هو الذي كان لا يصلي..!!

اللعنة! ما هذا الزمان الذي أصبحت الطفرات تلامس كل شيء.. لقد أصبح الحمقى أعقل منا على ما يبدو. هدأت من روعه و قلت له:

- أعلم يا موحى أعلم.. لكن من السنة أن ندعو له و نثبته عند القبر. 

ضحك موحى و أجابني:

"أيها الأحمق.. و كيف ستثبت من لم يثبت نفسه؟!"

يا للعار.. موحى الذي كنا نظنه أحمقا صار متصوفا و عارفا بالله. ابتسمت و قلت له.. 

"تذكر يا موحى أنا لم أقل عنك يوما أنك أحمق" فرد علي بذهاء.. 

"و أنا لم أقل عنك يوما أنك صاحب عقل" ثم بدأنا نضحك سويا. طبطبت على ظهره لآمن مكره و حجارته و سألته..

موحى لم تسكن هته المقبرة الموحشة بدل الحدائق؟

 

في لحظة قطع ضحكه و نظر إلي بعينين حزينتين و همس.. "بالمقبرة حديقة صغيرة" فسألته أين تكون.

أمسك بيدي و ذهب بي إلى قبر بلا لحد.. به ورد و زهور جميلة مصفوفة بحب و قال لي هامسا كطفل صغير يطلعني على هدية العيد.. "أمي.. أمي أنا"

غالبني البكاء و أنا أرى أحمقا يصون و يعتني بقبر أمه الميتة بينما أنا تارك أمي في بيتها أزورها بين الفينة و الأخرى. فسألته.. 

"موحى هل تتذكر شيئا ما عن المرحومة أمك؟"

انفجر ضاحكا حتى كادت الموتى تصم آذانها ثم استرسل يبكي و يردد.. 

"و هل للحمقى غير الذكريات أيها الأحمق.. أمي كانت قطعة من الشفق و كأن الرب نفخ فيه من روحه" 

لما رأيت حزنه على فقدها همست له..

- يرحمها الله إنها في ضيافة الرحمان.. يمكنك أن تباشر أحوالك و ترجع لقبرها متى شئت.

شرد قليلا و قال لي.. لكني مشتاق إليها.. فلربما يحين البعث و تقوم و أحضنها ثانية. ثم إنها امرأة كبيرة لا تقوى على زحام الحشر.. ماذا لو لم تجدني؟

غالبتني دموعي فعانقته رغم وساخته لكنه دفعني و صاح في.. 

"لا تبك على قبر أمي، إنه فأل سيء" ثم أخرجت خبزا و تينا و دعوته للأكل.. نظر للثمرات بعين شرهة.. جلس قبالتي و أمسك بواحدة و لما قربها لفمه جحظت عيناه و سألني..

- ألديك أم يا هذا؟ فقلت له "نعم"

وضع الثمرة من فمه.. نظر إلي بإشفاق ثم طبطب على ظهري و قال لي و هو ينظر لقبر أمه.. 

"اذهب و أفرح أمك بهذه الثمرات.. أنت لا تعرف ماذا يفوتك.. اذهب أيها الأحمق!!


عبد الغني تلمم  المغرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع