عناق القنافذ
قصة ~ عناق القنافذ
الكاتب ~د . نبراس سالم ~ يكتب...
_______________________
عناق القنافذ
أتلصصُ عليه، أراه يختلس النظر، نحو أجساد، معلقة، مباشرة بعد إعدامهم، أطال النظر في إحدى الجثث، مستغربا، كانت تحافظ على نظارة الجسد، لقد دفعَ الأهل رشوة، لكي يعدموه، دون تعذيب، كما أخبرني مَنْ على الباب، عندما دخلتُ، لأتأكد من وفاة الجميع.
كانتْ تجربتي الأولى لمشاهدة، تنفيذ الإعدامات، كنتُ أتهرب في كل مرة، أحاول اختلاق الأعذار، لكنني رضخت مجبراً، أخبروني أن تنصلي، عن أداء (الواجب المقدس)، له علامات تنذر بالخطر، ومحاذير، قد تدمر حياتي العملية، كطبيب، وقد ينتهي المطاف، معهم هنا، بل وقد أكون معهم معلقا.
يحمل الجثة تلو الأخرى، يصففها، واحدة فوق الأخرى، خارج غرفة الإعدام، في باحة السجن الخلفية الصغيرة، تحت الشجرة، وكأنه يخاف، من بعد ما سحب عتلة الإعدام على من مات، من حرارة الشمس، يقضم لفة فلافل، بين حمل كل جثة وأخرى، لا يكل ولا يمل، رغم بنيته الضئيلة، ينزع ما يستر عورات المعدومين من ملابس، دنت نفسه لسلبها.
كمْ حذروني، من أول الصدمة، ومخافة ارتكاب هفوات عند الفحص، أعطاني صديقي، حبة مهدئ، أخذتها أمس، ليلا، وما زلتُ خائفا، قلبي يركض، وصدريتي البيضاء، ابتلت، بعرقي، كمطر نيسان، كاد قلبي أن يتوقف، عندما آمال برأسه نحوي.
... أكملتُ واجبي، دكتور، أكتب شهادة الوفاة، للجميع، لا تنسى ساعة الوفاة، وأمر القاضي، يبدو عليك، مستجد، وخائف، وستسبب لنا المشاكل، العصر قد حان، وعليّ إقامة الصلاة، سأتركك قليلا، فلا تفزع، وأكمل واجبك.
كانت لحظات صمت رهيبة، حرفيا سأتبول على نفسي، بحثتُ عن مكان، أُفرغ إحتصاري به، لو لا خوفي على الجثث من البول، أتفقد كل زوايا الباحة، عليّ أجد من يستر عورتي، بعيداً عن العيون، يتخيل لي بأن الرؤوس تلتف نحوي، مختنقة، تقذف بالزبد عليّ.
صوت آنين، أسمعه من تحت الأكوام، يبدو أنني وبسبب الحبوب، بدأت أهلوس.
... الحمد لله، كدت أجن بغيابك، أسمعُ أصوات لأحدهم، خذ هذه شهادات الوفاة، أستدعي السيارة من فضلك، لتأخذني إلى المستشفى.
... تبا، أنت لا تتخيل، هناك صوت بالفعل، يبدو أن أحدهم، ما زال على قيد الحياة، يجب أن تعاد عملية الإعدام من جديد، سأستدعي الضابط، ليقوم بذلك، أحسنت، عندما تلكأت بكتابة الشهادات، لكانت مصيبة نزلت على رأسك، يبدو أن الخوف في بعض الأحيان ينفع.
... لكنني أكملتها، كتبتُ الشهادات للجميع.
... ويحك، كيف ذلك؟، هناك شخص ما زال على قيد الحياة، لقد أصدرت للتو شهادة وفاته لحي، وقّعتَ على السبب للعقوبتنا ولسجنك.
... أستحلفك بالله، أستر علي، والدتي ستموت بحسرتها غماً، لو حدث ذلك، أرجومنك أن تفعل شيئا.
... حسنا، لا تبكي، سيكلفك ذلك، علبة كبيرة من سكائر سومر أسود من السن الطويل.
... ماذا؟!، فقط ؟!حسناً لك ما تريد.
... ساعدني و ناولني ذلك الحبل، سأرى من هذا الذي يئن، سوف أعلق طرف الحبل بغصن الشجرة، والطرف الأخر لفه حول رأس هذا الحقير، وسنسحبه كلانا.
... لا أخاف، لا أستطيع.
... طفل جبان، امسك طرف الحبل ولا تتحرك، سأحضنك ونتعلق سوية لرفعه، نتعانق لنكمل ما تبقى من العمل، تمسك جيداً، سأتعلق معك لزيادة الوزن.
(يبدو أن الحقير لا يريد الموت).
... دكتور، لماذا تركت الحبل، أجبني ما بالك، يبدو أن الطبيب قد فقد وعيه، أو قد مات، ههه جبان.
د . نبراس سالم
تعليقات
إرسال تعليق