غجرية
قصة ~ غجرية
الكاتبة ~ ندى مأمون ~ تكتب ..
~~~~~~~~~~~~~~~~
*قصاصة من رواية.
[غجرية]
---------------------
طالع النحس يلاحقها كرفيق مخلص في حياتها...تقرأ الكف،وتلقي حبات الودع أمامها لتجذب بها المارة...تطالع في عيونهم، وتستقرئ قلقهم الحائر بين ضلوعهم...
أولئك الأغبياء، لا أحد منهم يريد مواجهةحاضره...يريدون الفرار عبر بوابة مستقبل لم يحن دوره بعد.
عند سور الجامعة الحجري فرشت حصيرتها الموشحة برسوم نجمية براقة... واتكأت بمكر ...تنادي زبائنها من الشباب الصغار المولعين بعوالم الغرائب... أزاحت خصلات شعرها الأسود الكثيف من أمام عينيها، وهي تطالع كف ذلك الشاب النحيل الذي ركع بقربها يستقرئ منها عودة حبيبته... قالت له:
-سوف تأتيك، ومعها كومة من زهر الفل لتفاجئك به ...لا تقلق.
تبسم الشاب وقبل كفها المليء بالأساور بعد أن دس فيه بضعة جنيهات قليلة، وتبسمت له بفتور وعضلات وجهها تشد ذلك الوشم البارز أسفل شفتيها...
طالعت خياله المرتحل، وهي تقول في نفسها ...يا لك من بائس بخيل... فتاتك لن تأتي...
الفتيات لاترغبن الرجال البخلاء.
سور الحجر القاسي أتعب ظهرها... تستند عليه ساعات طوال تبشر فيها بمستقبل زائف، وهي التي لا تعرف لحاضرها شيئاً...البلهاء يصدقونها، يصدقون شعرها الكثيف وعينيها الزرقاوين ...هذا ما ورثته عن جدتها اليونانية مع بضع كلمات وطلاسم حفظها عقلها الصغير ببراعة في طفولتها ،لكنها لم ترث عنها مهنة العرافة، ولا قراءة الطالع ...
وجدت نفسها منذ الطفولة في خيام اللجوء تنتقل مع أسرتها من معسكر إلى آخر... والأمراض تتناوب على جسدها من حين إلى آخر...شلل الأطفال كان نصيبها فلم يكن اللقاح متوفرا...ولا تعليم ولاطعام.
رأت أفراد أسرتها، وهم يتساقطون موتا وبردا مع كل موسم شتاء، الواحد تلو الآخر...لم يكن لها نبؤة تخبرها بقادمها المشؤوم...هربت من حاضرها التعيس...تنكرت في ثوب قارئة طالع ... جمالها يسحر العيون ، تكذب والحمقى يصدقون ... وراحت تنشر في المخيم أكاذيب المستقبل.
حظها العاثر جعلها تمسك كف ذلك البرلماني البدين الذي جاء لمقابلتها من على بعد أميال طويلة، بعد أن ذاع صيتها في المخيم...
جلس قبالتها على الأرض في خيمتها يمد لها كفه ليستقرئ نتيجة الانتخابات، ورجاله حوله ببدلاتهم الرسمية يتفحصونها.
فوز محقق سيدي...قالت عبارتها بثقة أدهشته...طمعت في أن يمنحها سلسال من ذهب...أو حزمة نقود كبيرة...لكنه قام ينفض الغبار عن بدلته، تبسم لها مغادرا، وهو يربت على كتفها ويقول:
-أحسنت...
في صبيحة النهار التالي...تنامى إلى مسامعها ذلك السقوط المدوي للنائب البرلماني...وفوضى في المدينة بعد انقلاب مؤيديه عليه...
رجاله يتقدمون نحو خيمتها...يشدون خصلات شعرها الغجري ...ويوسعونها ضربا...
قاموا بتكسير بلورتها الكرستالية وهرس شموعها الذائبة...
حملوها في سيارة جيب سوداء،وألقوا بها وحيدة على بعد كيلومترات من المخيم...
منعوها من العودة... أشاعوا في المخيم أن جمالها الشيطاني كان فاتنا للغاية ... يغوي النفوس ، والفضيلة يجب أن تبقى...
الناس على هذه الأرض مؤمنة لا يجوز لهم أن تجاورهم شيطانة!
***********************
الكاتبة : ندى مأمون 2023
تعليقات
إرسال تعليق