غرس جميل



 قصة ~ غرس جميل 

الكاتبة ~ درية إبراهيم ~ تكتب...

~~~~~~~~~~~~~

غرس جميل 

أراد أن يعرف مصر وأهلها...فكم سمع عنها ... لكن أن تسمع فهذا شيء ..أما أن ترى فهذا شيء آخر..

قرر... قطع المسافات وطاف البلاد قاصدا "هبة النيل" ...

توقفت الطائرة... يا لروعة سمائك يا مصر !.  إنها صافية تشبه قلوب أهلك .. ترجل الخطى خارج المطار ..غريب احتار.!

أين يتجه؟ وما مقصده؟ تردد قليلا ... وفي النهاية ،قرر أن يترك نفسه للظروف...وفي ظل تزاحم  أفكاره 

 قاطعه شاب وسيم..يعرض عليه أن يستقل "التاكسي ،فقال لنفسه :

-حسنا لقد بدأت الرحلة..

سأله السائق :

- أين وجهتك يا سيدي؟

تردد..فبادره  السائق : 

-هل تريد فندقا؟

شرد بذهنه متحيرا ولم يجب ..لم يتحرك السائق ..فاستغرب الرجل! ثم عاتبه.. فاعتذر السائق معللا :

- إلى أين يا سيدي ؟

آه..انت ما رأيك.؟

ابتسم السائق..ثم قال وقد تحولت ابتسامته إلى ضحكة هادئة :-

-إكرام الضيف واجب يا سيدي ..لنتناول كأسا من العصير المثلج.

اومأ الرجل بالموافقة..وعندما اقتربا من العصارة تذكر الزائر ما حكاه له أبوه عن أجمل أيام قضاها في مصر،

وعن عشق المصريين لعصير "القصب " 

وقف برهة يتأمل الوجوه التي تنعكس على مرايا الكؤوس ، امتد ببصره أعالي الهامات يتأمل سماحة أبناء النيل..حتى أعيته الوقفة..فأراد أن يغض الطرف حتى يريح قدميه..فأخذ يتلفت في هدوء  باحثا عن  كرسي لعله

"يستجم " مستمتعا بكأس العصير المثلج في ذاك الجو القائظ ! 

وما أن استقر.. فإذا بمنظر قد خاله..كرسي ما هنالك مركون بعيدا ، في ركن بالعصارة..يسترخي عليه طفل 

 يناهز السادسة من عمره ، له عينان تستديران في المكان كأنما تتحاوران مع تلك الكؤوس التي تراود العطش..كأنما تستدر عطفها..تحير الرجل، فقال بلغة ركيكة :

- لمن هذا الطفل؟

لقد ظن أنه تاه من أمه من شدة الحر الذي أثر على العقول..لكن استدارت سمراء ملحاء من بين المكتظين ،

 وبصوت رقيق أجابت :

-انه ابني.

ثم عاودت ترتشف العصير كأنه الشهد ..

شرد الزائر:

- يا إلهي!  لا تبالي بهذا الصغير الظمآن ! عيناه تنخران الكأس تسترعياه أن ترسل له الثلج العليل !

احتار ذلك الواقف في الأمر...اقترب بالخطوات المهتزة...رمق الطفل يتفحصه ...! رق قلبه للوليد.

فكر مليا ...انتصف كأس العصير في يده ..ضاعت لذته !!وضعه جانبا، ثم نادى النادل ..

- أحضر لي كأسا آخر  من فضلك. 

استأذن الأم أن يهديه للصغير... تحرجت قائلة :-

- آه... لا تفهم خطأ ،الأمر هو 

قاطعها :

- عفوا سيدتي ...أنا فقط أحببت أن يشاركني المثلج.

تمنعت الأم .. حتى الطفل بادر  بالاعتراض  :-

- أنا لا أريد سوى ما اتفقنا عليه...أليس كذلك يا أمي ؟

قالها الطفل بتحدي كأنه يقاوم شيئا ما في أعماقه !!

استطرد الرجل ما حكاه له- المصري - أبوه هناك ...كيف تربي المصرية ابنها منذ نعومة أظافر


آه ..ربما يكون هناك السر الذي أبحث عنه ، لا بد من قصة!

لاحظت الأم حيرة الرجل ،

ولكي تزيل عنه ما توهمه ، مدت للصبي بعضا من كأسها...فنظر للكأس متمنعا  محاولا  إخفاء لوعة عينيه المتعطشة ، أراد ذلك الرجل أن يترجم ذلك الصمود...حقا إنه فرعون عنيد!

 لذا فقد حاول أن يعرف السر !  إن الطفل في تحد يفوق طفولته..هكذا كان إحساس قلبه !


تناول الكأس وسار به تجاه الطفل ،وفي إصرار وحنان أصر أن يوافق الطفل على تناول الكوب ،وبالفعل  وافق بعد إلحاح، مكررا الطلب :

أنا لم أخالف الشرط يا أمي ،سوف تحضرين لي ما اتفقنا عليه 

عاد الضيف ادراجه متمتما الآن أستطيع الاستمتاع بعصير ي،مد يده ليتناول الكوب ..لكن يد النادل سبقته إليه ..

فامتعض ساخطا :هل ارتويت أيها الصبي؟!

اتخذ الكرسي أرجوحة ثثموج معه الأفكار يحاول أن يفهم لغة عيون. ذلك الصبي ..لكن

غادر ت الأم المكان ،

قرر أن يقفوا الأثر خلفهما ، عله يتلمس بعض الهمسات بينهما فيفهم الأمر  ..

وقد كان ، فقد مال الصبي على الأم في تدلل :

ها نحن قد اقتربنا يا أمي، وتهلل وجه الصبي أمام بعض المحال التجارية ،فظن الرجل أن الطفل ينتظر 

لعبة جميله من هذا المحل الفاخر الذي يتوسط محال المشويات اللذيذة، فقرر أن يسبقهما للمتجر،ليتدخل في الأمر إذا ما أختار الطفل لعبة تفوق إمكانات الأم،لذلك مد الخطا،وسبقهما ،ثم اختار لعبة جميلة مثل

تلك التي بحبها أطفاله،واستعد لحضور الطفل،لكن طال انتظاره ،وفجأة ، انعكست صورة الطفل وأمه  على باب المتجر وهم يمرون من أمامه قاصدين مكانا آخر ،دفع النقود سريعا ،وخرج مندفعا  يقفو أثرهما،

وكم كانت دهشته !!!فقد وقفا أمام محل بسيط للألعاب الورقية ،ثم تحاور الطفل مع أمه هامسا:-

_أعطيني ثمن العصير ،

ثم سار بخطوات ناعمة،وتفحص الأشياء من حوله.  رفع يده الرقيقة ،وأدخله في جيبه البالي،ثم 

أخرج كيسا من البلاستيك الصغير، ملفوف بداخله بعضا من العملات المعدنية ،  

قدمها بأنامله الوردية للبائع قائلا:

أريد بعددهم من هذه اللافتات،لكن أخشى ألا يكفي ما ادخرته ثمنا لها .

أبتسم البائع،ثم مال في حنان وإعجاب ، مقبلا الطفل قائلا  والدموع قد اغرورقت في عينيه:

ماذا ستفعل بهم أيها.المكافح الصغي

نظراليه الطفل في عزم الأبطال قائلا: هناك في هذا المكان العتيق..

نظر الرجل إلى حيث أشار  ومن بعيد رأى بيتا 

يحاول أن يثبت أمام تقاليب الزمن ، يحيط به ملائكة الخير بأيديهم الزكية ليعيدوا الحياة لجدرانه وأسقفه ...

طار الطفل كالفراشة تجاههم يغني بصوت رقيق بيتي حبيبي..أخيرا.! سأعيش فيك دون خوف..دون أن تغرقني فيك.حبات المطر...

أو أن تحرقني صيفا شعاعات الشمس..وتطير من هول الرياح عرائسي ..فاهيم على وجهي بين الدروب لأجمع شتيتهم.. 


مد الصغير يده رافعها لترفف باللافتات المعطرة التي تفتح أحضانها صوب كل عامل بنى بعرق جبينه منزل. أحلام ذاك الصغير ..

يصرخ وهو يمسك بقلبه اجمل شارة ليغرسها كالشجرة أمام منزله" حياة كريمة- "تحيا مصر".


درية أبراهيم

مصر 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع