سر القلادة



 قصة ~ سر القلادة 

الكاتبة ~ سعاد جكيرف ~ تكتب ...

~~~~~~~~~~~~~~~

سر القلادة (الجزء الثالث)


- رنيم ، رنيم كانت زميلة في الجامعة، أحبها صديق لنا، وأرادها حليلة له، لكنها رفضته بحجة أنه رجل مغرور ولا مسؤول، لم يهضم فكرة رفضه، وحاول مرارا الإيقاع بها، لكنها كانت مثالا للفتاة الملتزمة،الخلوقة.

- ماذا جرى لها يا ولدي؟! فالفتاة تزورني يوميا منذ قرابة الشهر في المنام، تطلب المساعدة، و يكاد صوت أنينها و ملامح وجهها المشوه،لا يفارقا سمعي ونظري، لم أتوقع أن يكون لك علاقة بالأمر، ظننته مجرد كابوس،لكنني الآن شبه متيقنة أنك قد ارتكبت جرما في حق هذه المسكينة.

- لا، أبدا، لست أنا، إنه عصام ومصطفى، من قذفاها في شرفها، بعدما دبرا لها مكيدة لتلويث سمعتها،أنا كنت مجرد متفرج، لكن تطورات القصة،جعلتنا نلوذ بالصمت .

- ماذا حدث للمسكينة؟!

- كما سبق وذكرت، فرنيم تنحدر من عائلة جد محافظة، بعد انتشار الفيديو على صفحات التواصل الإجتماعي، وصل ذلك إلى مسامع والدها وإخوتها، بدون مقدمات، انقطعت أخبارها عن الجميع،لا أحد يعلم ماذا حدث لها، عندما فتشوا غرفتها في الحي الجامعي،لم يجدوا غير ورقة مكتوب عليها "أقسم بالله أنني أشرف من الشرف" قذفوني في عرضي ولن أسامحهم أبدا"

مضت السنون،ونسينا الحادثة،لكن...

- لكن ماذا؟!

- مؤخرا،توفي عصام في حادث سيارة، "التحقيقات أثبتت أنه حادث مدبّر"، وفي ظروف غامضة انقطعت أخبار مصطفى، الذي سافر للعمل بالخارج،ولحد الساعة لا نعلم مكانه..

- وأنت؟

- ماذا تعني؟! أنا بخير، لست طرفا في القضية.

- الله يهديك يا ولدي،كيف تقول هذا؟! كان بإمكانك التدخل لتبرئة المسكينة، فلربما راحت ضحية جريمة شرف،وهي بريئة براءة الذئب من دم يوسف،كيف طاوعتك نفسك  على المشاركة في هذه التمثيلية القذرة؟!

- لا أدري يا أمي،لا أدري،أحداث كثيرة وغريبة أعايشها منذ أشهر،لم أعد أفرّق بين الواقع والحلم، لا أستطيع التركيز في عملي،طيفها الغاضب يلاحقني في كل مكان أقصده، أكاد أجن، ما العمل؟

- أولا عليك تبرئة الفتاة أمام أهلها، يجب عليك أن تقصد منزلها، وتقول الحقيقة.

- معك حق،،سأطلب من مكتب التحقيقات البحث عن عنوانها، وسأعترف لهم بكل شيء.

- بعد مضي ثلاثة أيام على حديثه مع والدته، قصد القرية التي تقطنها رنيم، وعند وصوله، سأل عن العنوان الذي معه، فأرشدوه إلى منزل ناء، منعزل نوع ما عن باقي السكنات.

- استجمع قواه، ودق الباب، فتحت له امرأة مسنة استأذنها بالدخول لأمر مهم يخص فتاة اسمها رنيم.

- صعقت لسماعها الاسم، وانسابت العبرات تخط سبيلها على وجه منهك غزته التجاعيد، وهي تكفكف دمعها،دعته للدخول.

- آسف سيدتي، لأنني أثرت مواجعك،لكنني أتيت لأبرئ ذمتي وأسألكم الصفح لأنني كنت مذنبا، بالتزامي الصمت.

- ماذا تقصد؟!

- قصّ عليها كل ما يعرفه عن الحادثة، بمجرد انتهائه انتابتها نوبة هستيرية من الضحك ممزوجة بالبكاء، أحكمت قبضتها على عنقه وهي تصرخ: أين كنت منذ سنوات؟! أين كنت حين أحضروها إلى البيت وسجنوها في الإسطبل مع البهائم؟! أين كنت حين عذبوها وجوّعوها وهي تستغيث مستنجدة ، ولا أحد استطاع نجدتها؟! أين كنت حين رفسها الثور، ففقأ عينيها؟! أين كنت حين شوهوها بماء النار، و أعدموها، لم يبق من ذكراها سوى هذه القلادة التي تحمل صورة وجهها الملائكي البريء.

لا، لن أسامحك لا أنت ولا من كان معك، لن أسامح والدها ولا إخوتها على التنكيل بها، روحها المعذبة تطلب القصاص ولن تهدأ حتى تقتص منكم جميعا....

- خرج مهرولا ، لا يدري ما يفعل، يشق حقول القمح، وبين الحين والحين يتعثر، يتحامل على نفسه، ويعاود النهوض وهو يركض لاهثا، باحثا عن مخرج، لكنه في كل مرة، يجد نفسه أمام منزلها، وكأنه يدور في حلقة مفرغة،،بأعلى صوته صرخ: ماذا تريدين مني يا رنيم؟ لم أقصد إيذاءك، لم أعلم بمأساتك، سامحيني أرجوك...

- فتح عينيه، فوجد نفسه نائما على سريره ، انتفض واقفا وهو يتصبب عرقا، نظر يمنة ويسرة، أنا في منزلي!! هذه غرفتي، يا إلهي!! كابوس آخر، فتح الباب مناديا: 

-أمي،أمي، هناك ما أود الإفصاح عنه.

- أنا أستمع إليك، تحدث....

 صوت مبحوح بلكنة غريبة،يرد عليه!! التفت، إنها هي بوجهها الممسوخ وابتسامتها المرعبة!! دون أدنى تفكير، رمى بنفسه من النافذة، واضعا حدا لحياته وكوابيسه.

- صراخ وعويل والدته والجيران ، قطع سكون الليل، وحيرة وتساؤلات من الجميع عن سبب انتحار المحقق الشاب.

تمت.

                                       سعاد جكيرف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع