حديث المرآة
ق . ق ~ حديث المرآة
الكاتب ~ عادل عبد الله تهامي ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~~
👀حديث المرآة👀
لا أدري لماذا شغفته المرآة مؤخرا
فطوله لا يتعدى ستين سنتيمتر( سم) ،
ويشب على كلتا قدميه ،ويقترب بصورة لافتة من المرآة ،يصرخ عندما أطفىء الإضاءة القوية وأبدل قابس الكهرباء لضوء خافت محبب لنفسي ،فأنا عكسه تماما،ولكن إرادته وتصميمه يرجحان رأيه ،صراخه يجعلني أرضخ لرغبته،
تضحك أمه وتغمز بعينها ساخرة ،
تتحدث الشفاه بعبارة أدرك معناها تماما
وهو لا يبالي بحديثنا الصامت ، سألتها
عن سر المرآة قالت : مثلك أتعجب
وأردفت قائلة : تدرك عزيزي أنه لازال صغيرا ،وحروف الكلام لا تكمل جملة مفيدة ،كيف أناقشه ولغة التفاهم بيننا لازالت مستعصية على الفهم، يكفي أني أعرف متى يريد الطعام، ووقت يشعر بالظمأ، وأدرك ما يريد عندما أذهب معه للسوبر ماركت القريب من المنزل ، ولازلت أحاول فك شيفرة حديثه ، حبيبي صغير ،ولطيف !!
أشعر أنه رجل في جسد طفل يحبو !!
تشاركنا عملية البحث في عقل صغيرنا
وتتبعنا تحركاته ،وحاولنا عمل ما يشبه البحث الجنائي ، بصماته ، وهي شيء مختلف عن مفهوم الكبار ،فهو كثيرا ما يلتصق بالمرآة بكل وجهه ،ويعجبه ذلك الدخان الذي يخرج من فيه ؛ليرسم به ملامح وجهه التي طبعها للتو على المرآة .
أشارت زوجتي بضرورة عرضه على طبيب نفسي ؛ فعارضتها بثورة ؛لأن عقلي يرفض اتهام طفلنا بالجنون .
قلت لزوجتي : طالما يأكل ويشرب ويلهو ويضحك فهو بخير ، ضحكت هي بود ووافقتني الرأي ؛ فكلانا يعشقه .
في أجندة خصصناها؛ لدراسة سلوك الطفل ،سجلنا كل مايفعل وتوقيتاته ،
لم نجد ما يسترعي الانتباه ، سلوكه
لا يدعو للخوف ،فقط هي علاقته بالمرآة؛فجل وقته يمضيه بالغرفة مع المرآة !!
ضحكنا عندما تذكرنا التفسير بأنه يرى صورته ؛فيتعجب ، كيف يرى شخصا مثله تماما يتحدث مثله ،ويضحك حين
يضحك ،ويبكي كلما بكى !!
قلت شيزوفرينيا أطفالي ،وضحكت زوجتي حتى بدت نواجذها ، علقت
على تصرفاته بمص الشفاه على طريقة
الممثلة الراحلة ماري منيب !!
بعد شهر من التحريات جلسنا لقراءة
ما كتبناه وكان الهدف قراءة هذه الثروة
التي تجمعت جراء البحث الدؤوب .
تركز اهتمامنا على المرآة ،وعلاقة طفلنا بها، كل ما يتعلق بالمرآة كان وضع الوجه
بكامله، ورسمه ببخار الماء الذي ينطلق من فيه ،وجدنا أن تركيزه متكرر على هذه اللقطة .
كنا نجلس لمشاهدة موجز الأخبار ،
وتركزت عيوننا على الدمار الذى خلفته
الغارات الإسرائيلية ، وصورة الأطفال
في أكفانهم متراصين داخل حفرة كبيرة والجرافة تهيل عليهم التراب
وصورهم قبل الوفاة يرفعها من كتبت له الحياة ،ونجا من القنابل المجرمة ،أحدث إصدارات أمريكا ؟!
صرخ طفلي وتشبث بالشاشة ،أشار نحو صورة الطفل التي عرضتها قناة الجزيرة الإخبارية كخلفية لطاقم المذيعين وهم
يستعرضون الرسائل المصورة من أرض غزة، وأشار طفلي نحو عين الطفل ،
وعينه، وأنف الطفل وأنفه ،وفم الطفل وفمه ،صرخ واستمر صراخه حتى غاب عن الوعي !!
نطرت نحو زوجتي ،ووجدتها تنظر نحوي ،والدموع تتجمع في مقلتينا ،
ونظرنا نحو طفلنا وتعجبنا أنه يتابع
مثلنا الأحداث ؟!
عادل عبدالله تهامي السيد علي
مصر
تعليقات
إرسال تعليق