غزة ، روح الروح
قصة ~ غزة ، روح الروح
الكاتب ~ خليل الشلتوني ~ يكتب...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
،،،، غزة ، روح الروح ،،،،،
يقولون ما أعز من الولد إلا ولد الولد ،
يقف أبو محمد في غرفة تجهيز الموتى في المستشفى المكتظ بجثامين الشهداء يحمل حفيدته بين ذراعيه ، يضمها إلى صدره ،
يقبلها تارةً وينفض الغبار عن شعرها تارةً أخرى ،
ينظر في وجهها متفحصاً لا يصدق ولا يريد أن يصدق وقد انتشلها بيديه من تحت ركام منزلهم الذي هدم فوق رؤوسهم ،
قال له أحد الممرضين متأسفاً :
_ هات من ايدك يا حج ، بيعوض الله يا حج ، ربي يرحمها ،
لم يسمع أبو محمد طلبه ، ولا يريد أن يسمع ،
أمسك بها بكلتا يديه مرتجفاً ، أبعدها عن صدره ، نظر إليها وأخذ يتأملها بدقة يريد أن يحفر صورتها في عقله وقلبه حفراً ونقشاً ،
وبسرعة كبيرة أعاد ضمها إلى صدره لعل قلبه ينخلع من صدره وينزرع في قلبها فتعود لقلبها نبضاته ،
أخذ يفرك شعر لحيته بشعرها لعل الأحاسيس تنتقل إلى دماغها فتدب في دماغها الحياة مرة أخرى ،
توقف الممرضون عن العمل وأخذوا ينظرون إليه والدموع تخنقهم ، ينتظرون منه أن يعطيهم الطفلة البريئة لتكفينها ودفنها ،
قال أحدهم لزملائه بصوت ضعيف مجروح يغلبه البكاء :
_ دعوه يا إخواني ، دعوه على راحته .
نظر أبو محمد في وجه حفيدته
فتح عينها اليمنى ، نظر فيها ، مد شفتيه نحو عينها يسبقه الشوق والعطف والانكسار ، وبصوت مسموع قبلها في بؤبؤ عينها
إمووووووه
فتح عينها الأخرى ثم قال بصوت مسموع أيضا:
اضحكي يا حبيبة جدو ، اضحكي ،
استجمع أحد الممرضين رباطة جأشه ، مسح دمعه وهو يقول :
_ هات يا حج ، هات من ايدك ،
نظر إليه أبو محمد ، أعاد ضمها إلى صدره وهو يقول :
هذه روح الروح ،
والله هذه روح الروح ، لحظات وهو يلصقها بصدره ثم
قدمها لهم لتكفينها وهو يتابعها بنظراته وكلماته الحارقة الملتهبة:
مع السلامة يا روح الروح
مع السلامة يا روح جدو ،
لم يذرف أبو محمد دمعة واحدة ولكنه
أبكى العالم كله ،،،
خليل الشلتوني
الأردن
تعليقات
إرسال تعليق