ولكن!
قصة ~ ولكن!
الكاتبة ~ حنان احمد سرحان ~ تكتب...
««««««««««««««««««««««
ولكن!
(حفل تكريم الأستاذة عائشة)
كانت هذه اللافتة المعلقة على جدران ممرات المدرسة تذكرني أن اليوم آخر يوم لي في المرور بتلك الطرقات والممرات المؤدية إلى الفصول وحجرة المدرسات ومكتب الإدارة، لافتة تقول لي انتهى دورك بيننا وشكرًا على مشوارك الطويل معنا في البذلِ والعطاء..
عائشة! اسم على مسمى ودائما ما كنت أصدق أن لكل إنسان نصيب من اسمه فقد استمتعت بالعيْشةِ الحسنة فهل سأكملها وأختمها بالعيشة الراضية؟!
بدأ الحفل واصطف التلاميذ في الصفوف والسادة الزملاء بعضهم على منصة التكريم كل منهم يلقي كلمة في حقي قد تكون نابعة من القلب حقيقية وصادقة، وقد تكون مجاملة رقيقة استدعتها واجبات الزمالة والعمل! تركتهم كل منهم يلقي بكلمته وذهبت بذاكرتي أستدعي ما كان ينتظرني من مخططات، وترتيباتي لما بعد تقاعدي، فقد كان ابني الوحيد قد وعدني بالذهاب إليه مع والده في زيارة لآداء مناسك العمرة والانتظار لآدء فريضة الحج، قال لي ذلك في آخر مكالمة طويلة بيننا عبر لي فيها عن اشتياقه لرؤيتي ووجودنا بجواره، فقد طالت به سنوات الغربة واكتملت السنوات طولا بعد حظر الطيران فترة كورونا وتعرضه لعدة وعكات صحية كان آخرها أثناء هذا الاتصال بيننا يطلب مني وافر دعواتي له بالشفاء العاجل!!
أما زوجي وكان قد سبقني للتقاعد بعامين وعدني سوف نبدأ حياة جديدة بعد تقاعدي" سأنتظرِك ونتسابق سويا في ختم القرآن الكريم، وسوف نحرص على قيام الليل سويًا وصلاة الفجر على وقتها، لقد أكلت الحياة نصيبا كبيرا من وقتنا حتى أصبحت تلك السعادة مؤجلة" قال ذلك لي وهو يشعر بالحماسة لقرب تفرغي له وتحقيق تلك السعادة المؤجلة سعادة الصحبة في الطاعة والعبادة، أغمضت عيني وجاهدت كثيرا حتى لا تتحرر دموعي من حبسها ..
انتهت كلماتهم ودعوني للتكريم وتلقيت بعض الهدايا وكثيرا من الدعوات بالحياة الرغيدة الطويلة، وهكذا كان ختام آخر يوم لي بينهم ..
دخلت شقتي المعتمة في صمت، ثم أغلقت الباب خلفي بهدوء ووقفت مكاني أنظر إلى ذلك المكان الخاوي المظلم، وكم بدت الشقة الأنيقة كئيبة ومخيفة؟! تلك الشقة التي دفعت من أجلها الكثير من وقتي وسعادتي، تبدو الأن موحشة، رميت حقيبتي دون اهتمام على الأرض، وارتميت أنا بكل ثقل الأيام الماضية وأحداثها الجسام على الأريكة دون إشعال الضوء، ورجعت برأسي للخلف أنظر للسقف المظلم ثم غلبتني دمعاتي الحبيسة منذ الصباح حين لاحت ذكراهما، وسمحت لها أخيرا بالتحرر من محبسها فدخلت في نوبة بكاء عنيف رغم محاولتي لاستجلاب الرضا للتعايش مع ذلك العالم الجديد الموحش والكئيب، فلم أستطع التحكم بذاكرتي ولا نبضات قلبي ولا دمعاتي، فكيف لي بحياة رغيدة طويلة إذن؟! وكيف سيصبح الآن هو الأبد؟!
حنان أحمد سرحان
مصر
تعليقات
إرسال تعليق