عندما ترى دموع الرجال
قصة ~ عندما ترى دموع الرجال
الكاتب ~ خليل الشلتوني ~ يكتب...
««««««««««««««««««««
،،،،، عندما ترى دموع الرجال ،،،،،
عندما ترى دموع الرجال فاعلم أن الأمر تنوء بحمله الجبال ،
عشرة ساعات مضت مذ غادرت عائلة الحاج عمر بيتهم في شمال غزة متوجهين إلى المستشفى الأوروبي هربًا من القصف المجرم الذي طال كل بيت من حولهم فحول البيوت إلى أثر بعد عين ،
عشرة ساعات والشابة مريم تدفع كرسي والدها المقعد بهمة وعزيمة ومن خلفها تركض أمها الضعيفة النحيلة ،
الخوف والفزع رفيقهما طوال الطريق ،
جثث هنا وهناك
وأصوات القذائف لا تتوقف عن اليمين وعن الشمال ،
أنفاس متلاحقة لاهثة وعيون جاحظة تراقب كل حركة وآذان متوقدة تسترق السمع لكل صوت وأزيز طائرات المراقبة الزنانة لا يتوقف ،
وأخيرا وصل الركب بسلام ،
دخل الجميع ساحة المستشفى ،
نظرت مريم يمينًا وشمالًا تخترق ببصرها جموع الناس المتراكضة المتقاطعة فوجدت فسحة من الأرض بالكاد تتسع لهم وجدت بها حلمهم بالأمان ،
استقبلت الأم الأرض بشوق كبير فراحت في سبات عميق ،
تقدمت مريم نحو والدها الصامت المقهور نظرت في عينيه ثم قالت محفزةً له
_ ستكون هنا بخير يا والدي ، لا تقلق صمتت لحظة ثم تابعت
_كل إخواني وأولادهم سيلتحقون بنا في أقرب فرصة ، المهم أنت لا تفكر في أي شيء فمكان غسيل الكلى قريب وسوف أرتب لك الأمور ،
يجب أن تغسل خلال ساعات فأنت متأخر عن الغسيل لمدة يومين ،
هز رأسه موافقاً بصمت ،
تركت مريم والديها وانطلقت تبحث عن مكان غسيل الكلى لتحجز دورًا لوالدها ،
سرعان ما عادت مريم لتخبر والدها فوجدته فوق كرسيه مستسلما ً لنوم عميق ،
جلست بجانب أمها تنظر في كل زوايا ساحات المستشفى المكتظة بالنازحين بحثًا عن مكان آمن ،
أغمضت عينيها وراحت تتذكر بيتهم وأحوالهم ،
الطعام والشراب والضيوف الذين لا ينقطعون فبيت أبيها بيت عز وكرم ،
فتحت عينيها ومسحت دمعها وهي تحدث نفسها
سنعود بإذن الله وستعود الحياة كما كانت وأجمل ،
تنبه الوالد لعودة ابنته
هش لها مبتسمًا رغم العذاب فبادرته قائلة
_دورك بالغسيل بعد ساعتين يا أبي ولكن يجب أن تأكل شيئًا ولو كسرةً من خبز ،
نظرت تلقاء أمها
_ أمي ، هل معنا قليلٌ من الخبز كي نطعم والدي قبل الذهاب إلى موعد غسيل الكلى ،
تململت الأم متعبة ثم قالت متأسفة حزينة
_ والله يا ابنتي لا يوجد معي شيء ، فأنا من الخوف والرعب نسيت أن أحمل معي ما نقتات عليه ولكن معي بعض النقود
التي قد تساعدنا على شراء شيء نأكله ،
تنهدت مريم من أعماق قلب محترق
_ يا أمي نحن في المستشفى وعندما ينتهي أبي من غسيل الكلى سوف أخرج لكي أستطلع من حولنا لعلنا نجد شيئا نأكله
أما الآن المهم أن يأكل أبي شيئًا قليلًا قبل الغسيل ،
نهضت مريم قائلة
لا تقلقوا ،
سوف أبحث مع الناس ، إن شاء الله سوف أجد رغيفا من الخبز أو أقل من ذلك
انطلقت مريم تتبعها عيون والدها الصامت حتى اختفت بين جموع الناس ،
نصف ساعة مضت ومريم تتنقل بين الناس تسأل بانكسار بالغ عن كسرةِ خبز لأبيها المريض تحبس دمعاً متحفزًا ،
وهي من هي ؟
إنها ربيبة بيت كريم عزيز سخي ،
، وأخيرًا نالت بفضل الله مرادها،
عادت مريم مسرعة ً نحو أبيها
رأته من بعيد
لوحت له برغيف الخبز في يدها ،
أخفض رأسه خجلاً وانفجر باكيًا وكأنه بركان مضغوط منذ آلاف السنين ،
شدت مريم من سرعتها نحو أبيها ،
انقضت على يديه لثماً وتقبيلاً وتغسلهما بدمعها المدرار وهي تقول بصوت متقطع حزين
_أرجوك يا أبي لا تبكي ، ستفرج بإذن الله
أرجوك لا تبكي يا سيد الرجال ،
خليل الشلتوني
الأردن
تعليقات
إرسال تعليق