موته حلوه
قصة ~ موته حلوه
الكاتب ~ خليل الشلتوني ~ يكتب...
«««««««««««««««««««««
،،،،،موته حلوه ،،،،،،،
يا سلام على غزة وأهلها ،
أصبح الموت الطبيعي حلمهم .
تلقت عائلة الحاج سليمان الكثير من الأوراق التي نزلت عليهم من السماء المزدحم بطائرات الموت وذلك تحذيراً لهم بضرورة ترك المنطقة والخروج إلى منطقة أكثر أمناً ،
تم تجميع ما يمكن حملة من متاع وغذاء من أجل الانتقال إلى بيت ابنة الحاج سليمان في الحي المجاور ،
يجلس الحاج سليمان في وسط غرفة المعيشة واجماً سارحاً ،
فكرٌ مشتت وذكريات النكبة الأولى عادت توقظ الألم في صدره وقلبه من جديد ،
تقدمت نحوه زوجته ،
دنت منه وبصوت خفيف ،
_الله يسعدك يا حج ،
يجب أن نخرج من هنا فاليوم ألقوا علينا الأوراق وغداً ستنزل علينا الصواريخ ،
هذا خروج مؤقت فقط ،
استجمع شتات عقله وفكره ، نظر في عينيها ثم قال وهو يهز رأسه مستنكرًا
_ ماذا تقولين يا حجة ؟
خروج مؤقت !!!
ألم يكن أبي وأمي يعتقدون أيضاً أن خروجهم من بيتنا في يافا سوف يكون خروجاً مؤقتاً .
وها هم قد رحلوا عن الدنيا وكانوا يحلمون بالعودة .
آآآه يا زوجتي الغالية
، إنه مسلسل من التهجير القسري يريدون غزة فارغة مسطحة ،
تنهدت الحاجة من أعماق قلبها فهي تعرف معنى الخروج لكنها أخفت ما في قلبها لتقول
_ إنه ليس بالخروج ، نحن ذاهبون حيث تسكن ابنتنا ،
المسافة إلى هنآك فقط ثلاث كيلو مترات ،
صمتت لحظة ثم تابعت
يقولون
المنطقة هناك آمنة أكثر من غيرها ،
هيا يا حج ، الله يسعدك ،
نظر حوله كانت البنات الثلاثة يقفن مستعدات للانطلاق الفوري ،
هز رأسه متعباً .
_ الحقيقة الواضحة أنه لا مكان آمن هنا في غزة ، ومع ذلك
اذهبن أنتن وسألتحق بكن في أقرب وقت ،
دقائق معدودة كانت الأم تنطلق مع بناتها الثلاثة إلى بيت ابنتها ولكنها تركت الخبز في البيت لحاجة في نفسها ،
ما أن وصل الركب إلى وجهته ، ،
ساعة واحدة مضت تناولت الحاجة التلفون فقد حان موعد تنفيذ الخطة التي في بالها ،
السلام عليكم ورحمة الله يا زوجي العزيز
_ وعليكم السلام ورحمة الله ، هل وصلتم بسلام ؟
الحمدلله وصلنا بسلام لكن للأسف تفقدنا الأغراض ولكن البنات نسين أن يأخذن الخبز معنا ،
تنهد الحاج سليمان وهو يقول
_ لا حول ولا قوة إلا بالله ، أمري لله ،
_ لا تقلقن سوف التحق بكن بعد ساعة ،
أغلقت الحاجة التلفون وقد علت وجهها ابتسامة خفيفة ،
وصل الحامل والمحمول وبالطبع لم يسمح للحاج سليمان بالعودة إلى بيته خوفاً عليه،
نام الجميع على صوت قصف متقطع وأزيز طائرات لا ينقطع .
عسعس الليل وتنفس الصبح ،
كان الصبح ليس كعادته بهياً جميلاً يبعث الندى فوق الورود والزهور وينشر الأمل بيوم جديد جميل ،
بل كان صباحاً تساقطت فيه قنابل الفسفور تحرق العيون وتقطع الأنفاس،
أصوات السعال المجروح مخلوطة بصعوبة مع الدعاء المكلوم لله بأن يرفع الغمة عن الأمة ،
فجأة دوى صوت انفجار رهيب هز أركان البيت وتناثر الغبار يملأ الفضاء،
رعب وخوف وفزع
قلوب واجفة وأبصار شاخصة
ارتمت البنات في حضن الأم الدافئ الحنون ،
أخذت تنفض الغبار عن رؤوسهن
نظرت الصغرى في وجه أمها خائفة مرتجفة وبصوت مرتعش قالت
_ ماما ، ماما
أنا لا أريد أن أموت موته بشعة ،
نزلت دموع الأم تشق طريقاً عميقاً بين الغبار المتراكم على خديها ثم قالت وهي تنفض الغبار عن رأس ابنتها
_لا تخافي يا ابنتي نحن بخير
عادت البنت تغرز رأسها في بطن أمها خوفا ً وفزعاً وهي تبكي وتقول
_أريد أن أموت قطعة واحدة،
لا أريد ان أتقطع إلى أشلاء ،
صمتت البنت لحظة ثم دخلت في نوبة بكاء رهيب وهو تقول
_أريد يا أمي أن أموت موتة حلوة .
خليل الشلتوني
الأردن
تعليقات
إرسال تعليق