الأيادي القذرة
قصة ~ الأيادي القذرة
الكاتب ~ د . نبراس سالم ~ يكتب..
«««««««««««««««««««««
الأيادي القذرة
تتودد وتتوسل لتبيعني علبة مناديل ورقية، بضحكة خبيثة، بصمة أصابعها السوداء تطبع دوائرعلى نافذة السيارة الجانبية المفتوحة على المنتصف ، يخترق جلدها خدوش متعددة الأحجام والأعماق، والأوساخ تحت الأظافر تنفر المشتري منها.
ترافق حركة سيارتي البطيئة، لا تترك النافذة تعرض بضائع أخرى وكتيبات أدعيةً لأشتريها، حتى توقف رتل السيارات مع الإشارة الحمراء.
أعرفها جيداً، منذ سنوات شاهدتها أول مرة، لفتت انتباهي وهي تترجل من سيارة فارهة حديثة الطراز، مع طفلين أكبر منها، جذبني جمالها الخلاب، براءة ووجه طفولي ناصع البياض، بوجنات مستدير كالقمر، ترتدي دشداشة قطيفة خضراء جميلة وجديدة ، وجه حرقت الشمس جلده، وأطفأ لمعان خدودها التسكع بين السيارات .
-أعرفك منذ سنوات، ألا تخافي من غدر الشوارع، كل يوم هنا، تلحقين السيارات لبيع المناديل أو تنظفين زجاج السيارات، كل مرة على حال.
أعمل في هيئة الرعاية الاجتماعية، وبمقدوري توفير راتب ضمان شهري يحميك من نظرات الشباب التي تجلد جسمك كلما مروا بقربك، انتِ في فترة المراهقة وهذا سنٌ خطر.
-وكم ستعطيني؟ أقصد راتب هيئتك هذه؟
-سيكون راتب ضمان مئة وخمسين ديناراً، شهرياً.
- دخلي اليومي مائة دينار، دع هيئتك تلك، واشتري مني.
ويحي ماذا أفعل، بدأت تضحك بصورة غريبة ومخيفة، تستهزئ بي، رفعت رأسها وخفضته بخوف، يبدو أن هناك من رمقها لتعاود العمل، هرعت نحو مجموعة من الشباب في سيارة رياضية مكشوفة، وصوت أغنية غربية تصدح في المكان، وهي تضحك معهم بصوت عال.
***
-هل تصدق يا اسطة، قبل أمتار عن مركز الصيانة، عند إشارة المرور، طلبت من شاب بعمّر ابنك حفظه الله، أن يتوقف عن تلطيخ زجاج سيارتي بماسحته وبخاخ الماء والصابون السائل القذر بحوزته، طلبت منه بكل أدب، كانت زجاجتي نظيفة، تعرف بأنني مهووس بغسل السيارة ونظافتها، فقام بالصراخ عليّ، يتهمني بالبخل، وأن ربع دينار لا تفرق عندي، أزعجني، يتهمني بأني محدث النعمة ولا يليق بي ركوب هكذا سيارات.
لعنة الله عليكم، يوم بدأ بعطب في السيارة، والآن هؤلاء الشرذمة من الأطفال ، مناديل وكتيبات أدعية، وهذا الوقح ماسح النوافذ.
-دعك عنهم، لقد ملأوا الشوارع بهم، هون عليك ساعة وسنصلح لك العطل.
-كم ذكي ولدك هذا ما شاء الله، أصلح العطب بسرعة، تشرّبَ حب الصنعة منك، حتى صار أفضل منك ( أسطة ونص)، هل هو في المدرسة، حرام هذه الفطرة لا تدعمها بالعلم.
-كلا، هو صانع عندي، يتيم واعطف عليه، انتبه يا ابن الوسخة، لقد لطخت الكرسي بيديك الوسختين، أغرب عن وجهي، ليس لك عمل هنا بعد اليوم .
-لا بأس، ليس هناك داع لضربه، لم يفعل شيئا، بالله عليك، لا تدفعه ليلحق بهولاء.
د.نبراس سالم
بغداد
تعليقات
إرسال تعليق