دعابة قاتلة



 قصة ~ دعابة قاتلة 

الكاتب ~ عبد الغني تلمم ~ يكتب..

«««««««««««««««««««

دعابة قاتلة     


مساء يوم شباطي هادئ، ولسبب أجهله بدت لي الطاولة غريبة التوضيب، شمع وورد وموسيقى رومنسية تصدح من المذياع. زوجتي تنظر إلي بطريقة بلهاء ولسبب آخر أجهله أخبرتني أن الأولاد سيبيتون عند أمها.

وأخيرا فهمت ما يجري، أحدهم سيزورنا وينزعج من صغار السن، لكنها نظرت إلي بطريقة صبيانية وهمست لي..

- ألا يذكرك فبراير والشمع والورد بشيء؟

اللعنة! كيف غفلت عن عيد ميلاد جارتنا؟! لكن لم سنحتفل بالجارة وزوجتي لا تطيقها؟ شيء ما فات تقني السيارت فلزمت الصمت حتى تقدمت إلي وهمست ببلاهة، اليوم عيد الحب!!

بصراحة، إنها أغبى مفاجأة لكن من ضريبة أن تتزوج امرأة قارئة هو استحمال صبيانياتها.

ابتسمت كأني الفارس الذي سيغرقها بالكلام المعسول وهدايا الدبدوب وقلت لها..

- عيد الحب يكون مع الحبيبة لا مع الزوجة!!

كانت مجرد دعابة ثقيلة لكنها كانت قاتلة؛ تجمدت في مكانها حتى استعصت دموعها عن النزول وبقيت متحجرة في مقلتيها التائهتين. في لحظة تهيأ لي سماع قلبها يتدحرج بين أحشائها. وقعت الإساءة الجارحة والاعتذار بدا غير ذي جدوى. ساد جو ثقيل رغم المنظر الجميل الذي كان عليه البيت المجهز للاحتفال.

جلست تتلحف بإهانتها أمام صورة زواجنا وهمست بحشرجة لم أعهدها منها..

- ألا تكون الزوجة حبيبة؟!

لأول مرة سنخوض حوارا صريحا بعيدا عن المجاملات الزوجية والنفاق الاجتماعي..

- لا أظن، الزواج مقبرة الحب والزوجة لائحة طويلة من المشتريات والمسؤوليات.

- منذ متى فقدت الحب في البيت؟

- لا أدري، أظن في أول مرة أرغمت على الدخول باكرا.

- ضحيت بنفسي لأهبك الراحة والأمان والأولاد.

- أشياء أصبحت ملزما برد جميلها، أشياء تثقلني تخنقني.

- لم أرغمك على البقاء معي.

- ذاك ما تعتقدين؛ ما سترغب فيه غيرك استنزفته فيك، شبابي أحلامي ولهفة البدايات. 

- أعتذر لك عن كل ما عانيته بسببي، فقط أسعدني هاته الليلة فأنا لم أكن أعاني منك؛ أنا كنت أستعين بك. 

كلامها كان منطقيا، فبعد الذي عانته لتوضيب الليلة كان من غير اللائق إكمال السهرة بمعاتبتها. أحضرت المسكينة طبق العشاء وتناست حديثنا وكأن شيئا لم يكن؛ ضحكت في ذاك المساء حتى تلألت عيناها الجميلتين لدرجة أن عاودني الحنين لعناقها واسترجاع ذكريات زواجنا.

في حركة فجائية قبلت يدي وطلبت مني مراقصتها. اللعنة علي! ماذا دهاني لأفسد أول السهرة. حتى وإن عنيت ما قلته فأقسم ثلاثا ألا أخرى ستملأ عيني غيرها. أحسست بالندم وقبلت رأسها قبل أن تغط في نومها.

في الصباح الباكر مددت يدي إليها لتعلم أنها أنثاي المثيرة لكنها كانت قد قامت. سمعت في المطبخ صوت أغنية ما كانت لتخفى علي ولو بعد ألف سنة، أغنية فيروز التي سمعناها في لقاءنا الغرامي الأول. لحقتها إلى المطبخ، لأراها أقرب للسماء من أي صباح آخر؛ شنقت نفسها!! كانت مجرد دعابة ثقيلة لكنها كانت قاتلة.

عبد الغني تلمم / المغرب 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع