رسالة مغترب



 قصة ~ رسالة مغترب 

الكاتب ~ منير بهري ~ يكتب..

«««««««««««««««

 رسالة مغترب.                                                           أصبحت كبندول الساعة المتأرجح تحت تأثير جاذبية هذه الأرض الشقراء المضمخة بالعطر الباريسي أهيم  في تفاصيل جسدها المكتنز ،فتهتاج مشاعرك وتزهق أنفاسك ، الحياة هنا كأحمر شفاه امرأة أو مساحيق تضعها المرأة على ملامحها لتخفي أخاديد أو ندب ضاربة أطنابها في وجنتيها، وعندما تأوي إلى فراشها تسلخ وجهها ، وترعب الظلام الدامس، صرت كحبة القمح التي تسحق في طاحون .الليل والنهار سيان عندي ألتحف الليل لباسا ،وأضع النهار عمامة ، عمل ..عمل ...ولا شيء سوى العمل وأي عمل ،مقرف ما تراه عيناي .وصلت إلى فرنسا  منتشيا  منتضيا سلاح الأمل ، أتصفح عنوان صديقي مهاجر قديم  هنا ، هاتفته قبل أن أهاجر، كان يرحب بي ويفرط في الترحيب في بيته ،لكنه سحب البساط من تحت قدمي مهشما ضلوعي، خانني وأعطاني عنوانا وهميا، لأنام داخل أنابيب المياه الآسنة إن كان قد خانني صاحبي ابن جلدتي فكيف ألتمس الصداقة من الغرباء، وقد عفرت وجهي بالوحل، صرت جرذا صديق الجرذان أعيش معها أسفل القناطر بل الجرذان لها هوية وسكنى وكرامة، لقد سقطت هويتي واندلقت من عروقي كما يندلق المطر من زجاج السيارة.،السواد القاتم هنا الخفافيش  الصراصير تحت القناطر، وفوق القناطر الشفرات الحادة تشفطك أنت مراقب تحدجك النظرات ،تفترسك الكاميرات ، حتى الكلاب التي يجرها الناس هنا تنظر إليك باحتقار وتعافك هي نظيفة راقية تحظى بالرعاية ، لن أكذب عليكم وأغشكم إن أتيتكم بسيارة فارهة مكشوفة أو ساعة ذهبية ،وأحضرت لكم قالب شوكولاتة أو حلوى ، يتباهى بي أفراد أسرتي ، وأعينهم مصوبة إلى ما تنطوي عليه حقائبي. عن أي بطولات سأحدثك يا وطني يا أمي  لم أجرؤ إخبارك يا أمي بظروف غربتي والغربة تنخر جسدي كما ينخر الدود الأبيض الخشب ، احتجت ملامحي ، احتجت قيمي الإنسانية ،احتج شعري إلى أن أعلن الحداد بلباس الأبيض كالتي مات عنها زوجها، حتى لغتي العربية تنصلت مني وهجرتني ، فأصبح فمي أدردا ألوك لغة غريبة عني حطمت أسناني ، قد حفظت منها كلمات أنافس بها أصحابي وجوانحي تعصر، لقد وجدت ركنا آخر أنزوي إليه أرحم من حياة الجرذان أصبح لي مأوى في ملجأ للمهاجرين ، كنت أظن أني سأرمم ذاتي وأجمع تلابيب جسدي،لكن الميز العنصري كشر عن أنيابه، أبتز وأسرق ويتحرش بي هنا أنت صالح لكل شيء لا فرق بينك وبين الكلاب ،الكلاب أفضل منك ،لا رجولة هنا ولا أنوثة .أحكي لك قصتي ذات يوم بينما كنت مستلقيا في سريري بالأسفل وسرير إيطالي فوقي، صرعني النوم إلى أن تحسست جسدي يد ناعمة ، فأجفلت وإذا بذلك الإيطالي الخنزير يعبث بجسدي فلكمته وكسرت ضلوعه. ليلقى بي خارج الملجأ لأجد نفسي كالعلكة تمضغ حتى يذهب حلوها ويطوح بها تدوسها الأقدام .المقاهي تعرفني غسلت كؤوسها وصحونها، أحذية الزبائن من نضارتها أصبحت مرآة لوجهي وأنا ألمعها، بالوعات المياه تغمز لي ، لا يغريك ثوبي .المهم بعت كل شيء من أجل العملة ، وهأنذا أريد أن أرجع لكني لا أقوى .المغفرة والصفح يا أمي ويا أحبتي ويا وطني.                  الكاتب منير بهرى .المغرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنَّى لي بعِمَامةِ أبي

الحمل الوديع

أشواك للبيع